أي: إذا أهدى الحلال للمحرم.
وفيه إشارة إلى أن الرواية التي تدل على أنه كان مذبوحا موهومة، قال النووي: ترجم البخاري يكون الحمار حيا وليس في سياق الحديث تصريح بذلك، وكذا نقلوا هذا التأويل، وهو باطل؛ لأن الروايات التي ذكرها مسلم الآتية قريبًا صريحة في أنه مذبوح، قال في "الفتح": وإذا تأملت ما تقدم وما يأتي قريبا لم يحسن إطلاق بطلان التأويل المذكور ولاسيما في رواية الزهري التي هي عمدة هذا الباب، وقد قال الشافعي في "الأم": حديث مالك أن الصعب أهدى حمارا أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار، وقال الترمذي: روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب لحم حمار وحش، وهو غير محفوظ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهْوَ بِالأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: "إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ".
قوله: "عن ابن شهاب" الخ لم يختلف على مالك في سياقه معنعنًا، وإنه من مسند الصعب، إلاَّ ما وقع في "موطأ" ابن وهب، فإنه قال في روايته عن ابن عباس: إن الصعب بن جثامة أهدى فجعله من مسند ابن عباس، وكذا أخرجه مسلم عن ابن عباس قال: أهدى الصعب، والمحفوظ في حديث مالك الأول وسيأتي للمصنف في الهبة عن الزهري: أخبرني عبيد الله، أن ابن عباس أخبره أنه سمع الصعب -وكان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يخبر أنه أهدى، والصعب يأتي تعريفه في السند قريبًا.
وقوله: "حمارًا وحشيًا" لم تختلف الرواة عن مالك في ذلك، وتابعه عامة الرواة عن الزهري، وخالفهم ابن عيينة عن الزهري فقال: لحم حمار وحش أخرجه مسلم، لكن بين الحميدي صاحب سفيان أنه كان يقول في هذا الحديث: حمار وحش، ثم صار يقول: لحم حمار وحش، فدل على اضطرابه فيه، وقد توبع على قوله: لحم حمار وحش من أوجه فيها مقال، منها: ما أخرجه الطبراني عن عمرو بن دينار، عن الزهري، وإسناده ضعيف، وأخرج