بالصيد ما يجوز أكله للحلال من الحيوان الوحشي، وأن لا شيء فيما يجوز قتله، واختلفوا في المتولد فألحقه الأكثر، وعند الشافعي وأحمد يجوز أن يكون القاتل أحد الحكمين، وعند مالك: لا يجوز لأن الحاكم لا يكون محكومًا عليه في صورة واحدة.
ومسائل هذا الباب وفروعه كثيرة، فلنقتصر على هذا القدر منها، وأتكلم على معنى الآيات.
فقوله: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} أي: محرمون، ولعله ذكر القتل دون الذبح للتعميم.
وقوله: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} أي: ذاكرًا لإحرامه، عالمًا بأنه حرام عليه.
وقوله: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} برفع جزاء من غير تنوين وخفض مثل على أن جزاء مصدر مضاف لمفعوله تخفيفًا، والأصل: فعليه أن يجزي المقتول من الصيد مثله من النعَم، ثم حذف الأول لدلالة الكلام عليه، وأضيف المصدر إلى ثانيهما، أو أن مثل مقحمة كقولهم: مثلك لا يفعل ذلك أي: أنت لا تفعل ذلك، وهذه قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبي جعفر، وقراءة الآخرين فجزاء بالرفع منونًا على الابتداء، والخبر محذوف تقديره فعليه جزاء أو أنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره فالواجب جزاء، أو فاعل فعل محذوف تقديره فيلزمه أو يجب عليه، ومثل بالرفع صفة لجزاء أي: فعليه جزاء موصوف بكونه مثل ما قتل أي: مماثلة.
وقوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} أي رجلان صالحان، فإن الأنواع تتشابه ففي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة.
وقوله: {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} صفة هديًا، والإضافة لفظية أي واصلًا إليه بأن يذبح فيه ويتصدق به.
وقوله: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} طعام بدل منه، أو تقديره هي طعام، وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر "كفارة" بغير تنوين "وطعام" بالخفض على الإضافة؛ لأن الكفارة لما تنوعت إلى تكفير بالطعام، وتكفير بالجزاء المماثل، وتكفير بالصيام حسن إضافتها لأحد أنواعها تبيينًا لذلك، والإضافة تكون لأدنى ملابسة، ولا خلاف في جمع مساكين هنا؛ لأنه لا يطعم في قتل الصيد مسكين واحد كما مرَّ، بل جماعة مساكين، وإنما اختلفوا في موضع البقرة؛ لأن التوحيد يراد به عن كل يوم، والجمع يراد به عن أيام كثيرة.
وقوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} في الآخرة أي: فهو ينتقم الله منه، وعليه مع ذلك الكفارة.