يشير بهذا إلى أن الصدقة في الآية مبهمة، فسرتها السنة، وبهذا قال جمهور العلماء، وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الحسن قال: الصوم عشرة أيام، والصدقة على عشرة مساكين. وروى الطبراني، عن عكرمة ونافع نحوه. قال ابن عبد البر: لم يقل بذلك أحد من فقهاء الأمصار.
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ، حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: وَقَفَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلاً فَقَالَ: "يُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاحْلِقْ رَأْسَكَ" أَوْ قَالَ: "احْلِقْ". قَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} إِلَى آخِرِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوِ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ".
قوله: "يتهافت" بالفاء أي: يتساقط شيئًا فشيئًا.
وقوله: "فاحلق رأسك" أو احلق بحذف المفعول، وهو شك من الراوي.
وقوله: "بفرق" بفتح الفاء والراء وقد تسكن، وقال الأزهري: كلام العرب بفتح الراء والمحدثون قد يسكنونه وآخره قاف مكيال معروف بالمدينة، وهو ستة عشر رطلًا، وفي رواية ابن أبي نجيح عند أحمد وغيره، والفرق: ثلاثة آصع، ولمسلم عن ابن أبي ليلى "أو أطعم ثلاثه آصع من تمر على ستة مساكين"، وإذا ثبت أن الفرق: ثلاثة آصع اقتضى أن الصاع خمسة أرطال وثلث، خلاف لمن قال إن الصاع ثمانية أرطال.
وقوله: "أو نسك مما تيسر" كذا لأبي ذر والأكثر، وفي رواية كريمة: "أو انسك بما تيسر" بصيغة الأمر وبالموحدة وهي المناسبة لما قبلها، وتقدير الأول أو انسك بنسك والمراد به الذبح.
قد مرّوا: مرَّ أبو نعيم في الخامس والعشرين من الإِيمان، ومرَّ سيف في الخامس من استقبال القبلة، ومرَّ مجاهد في أول الإيمان قبل الحديث الأول، ومرَّ عبد الرحمن بن أبي ليلى في الثالث والتسعين من صفة الصلاة.
ثم قال المصنف: