باب الإحصار في الحج

قال ابن المنير: أشار البخاري إلى أن الإحصار في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما وقع في العمرة، وقاس العلماء الحج على ذلك، وهو من الإلحاق بنفي الفارق، وهو من أقوى الأقيسة، وهذا مبني على أن المراد بقول ابن عمر: سنة نبيكم، قياس من يحصل له الإحصار وهو حاج، على من يحصل له في الاعتمار؛ لأن الذي وقع للنبي -صلى الله عليه وسلم- هو الإحصار عن العمرة، ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد بقوله: سنة نبيكم وبما بينه بعد ذلك شيئًا سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق من يحصل له ذلك، وهو حاج.

الحديث الخامس

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمٌ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلاً، فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ، إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا.

قوله: أليس حسبكم سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنصب سنة خبر ليس واسمها حسبكم، وقال عياض: بالنصب على الاختصاص، أو على إضمار فعل أي: تمسكوا ونحوه، وقال السهيلي: من نصب سنة فالكلام أمر بعد أمر كأنه قال: الزموا سنة نبيكم، كما قال:

يا أيها المائح دلوي دونك

فدلوي منصوب بإضمار فعل أمر ودونك أمر آخر.

وقوله: "إن حبس أحدكم عن الحج" أي: بأن منع عن الوقوف بعرفة، وقوله: "طاف بالبيت وبالصفا والمروة" جواب الشرط أي: إذا أمكنه ذلك، تفسير للسنة، وهل لها حينئذ محل أو لا قولان، وفي حديث: إن حبس أحدًا منكم حابس عن البيت، فإذا وصل إليه طاف به.

وقوله: "فيهدي بذبح شاة" إذ التحلل لا يحصل إلاَّ بنية التحلل والذبح والحلق.

وقوله: "أو يصوم إن لم يجد هديًا" حيث شاء، ويتوقف تحلله على الإطعام كتوقفه على الذبح، لا على الصوم لأنه يطول زمنه، فتعظم المشقة في الصبر على الإحرام إلى فراغه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015