قال الجوهري: العشية من صلاة المغرب إلى العتمة، وقيل: هي من حين الزوال، والمراد هنا الأول، وكأنه عقب الترجمة الأولى بهذه ليبين أن الدخول في الغداة لا يتعين وإنما المنهي عنه الدخول ليلًا وقد بين علة ذلك في حديث جابر حيث قال فيه لتمتشط الشعثة.
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لاَ يَطْرُقُ أَهْلَهُ، كَانَ لاَ يَدْخُلُ إِلاَّ غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً.
قوله: "ولا يطرق أهله" قال أهل اللغة: الطروق بالضم: المجيىء بالليل من سفر أو غيره على غفلة، ويقال لكل آت بالليل: طارق، ولا يقال بالنهار إلا مجازًا، وقد حكى ابن فارس طرق بالنهار وهو مجاز، ولهذا كان قوله: ليلًا في الرواية التي بعد هذا أن يطرق أهله ليلًا للتأكيد لأجل رفع المجاز لاستعمال طرق في النهار، ومنه حديث طرق عليًا وفاطمة، وقال بعض أهل اللغة: أصل الطروق الدفع والضرب، وبذلك سميت الطريق لأن المارة تدقها بأرجلها، وسمي الآتي بالليل طارقًا؛ لأنه يحتاج غالبًا إلى دق الباب، وقيل: أصل الطروق السكون، ومنه إطراق رأسه، فلما كان الليل يسكن فيه سمي الآتي طارقًا، وقوله: في طريق الشعبي عن جابر: إذا أطال أحدكم الغيبة، فلا يطرق أهله ليلًا، التقييد فيه بطول الغيبة يشير إلى أن علة النهي إنما توجد حينئذ، فالحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فلما كان الذي يخرج لحاجته مثلًا نهارًا ويرجع ليلًا، لا يتأتى له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة، كأن عدم طول الغيبة مظنة الأمن من الهجوم، فيقع للذي يهجم بعد طول الغيبة غالبًا ما يكره، إما أن يجد أهله على غير أهبة من التنظيف والتزيين المطلوب من المرأة، فيكون ذلك سبب النفرة بينهما، وقد أشار إلى ذلك بقوله في حديث جابر الآتي في كتاب النكاح: كي تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة، ويؤخذ منه كراهة مباشرة المرأة في الحالة التي تكون فيها غير متنظفة، لئلا يطلع منها على ما يكون سببًا لنفرته منها، وإما أن يجدها على حالة غير مرضية، والشرع محرض على الستر، وقد أشار إلى ذلك بقوله في حديث جابر عند مسلم: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلًا يتخونهم، أو يطلب عثراتهم فعلى