الأوسط عن فاطمة قالت: قلت يا رسول الله، أين أُمي خديجة؟ قال: "في بيت من قصب" قلت: أمن هذا القصب؟ قال: "لا من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت"، قال السهيلي: النكتة في قوله: "من قصب" ولم يقل: من لؤلؤ أن في لفظ القصب مناسبة لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان دون غيرها، ولذا وقعت هذه المناسبة في جميع ألفاظ هذا الحديث، وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أنابيبه، وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها، إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن، ولم يصدر منها ما يغضبه قط، كما وقع لغيرها.

وأما قوله: "ببيت" فقال أبو بكر الإسكاف في "فوائد الأخبار" المراد به بيت زائد على ما أعد الله لها من ثواب عملها، ولهذا قال: لا نصب فيه أي: لم تتعب بسببه، قال السهيلي: لذكر البيت معنى لطيف؛ لأنها كانت ربة بيت قبل المبعث، ثم صارت ربة بيت في الإِسلام منفردة به، فلم يكن على وجه الأرض في أول يوم بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- بيت إسلام إلا بيتها، وهي فضيلة ما شاركها أيضًا فيها غيرها، وجزاء الفعل يذكر غالبًا بلفظه، وإن كان أشرف منه، فلهذا جاء في الحديث بلفظ: البيت دون لفظ القصر، وفي ذكر البيت معنى آخر؛ لأن مرجع أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها، لما ثبت في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} قالت أم سلمة: لما نزلت دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- فاطمة وعليَّاً والحسن والحسين فجللهم بكساء فقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي" الحديث أخرجه الترمذي وغيره، ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة؛ لأن الحسنين من فاطمة، وفاطمة بنتها وعليٌّ نشأ في بيت خديجة وهو صغير، ثم تزوج بنتها بعدها، فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها.

وقوله: "لا صخب فيه ولا نصب" الصخب بفتح المهملة والمعجمة بعدها موحدة: الصياح والمنازعة برفع الصوت والنصب بالتحريك التعب وأغرب الداوودي فقال الصخب العيب والنصب العوج، وهو تفسير لا تساعد عليه اللغة، وقال السهيلي: مناسبة نفي هاتين الصفتين، أعني المنازعة والتعب أنه عليه الصلاة والسلام لما دعا إلى الإِسلام أجابت خديجة طوعًا، فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب في ذلك، بل أزالت عنه كل نصب وآنسته من كل وحشة، وهونت عليه كل عسير، فناسب أن يكون منزلها الذي بشَّرها ربُّها به بالصفة المقابلة لفعلها، وفي رواية أبي هريرة في المناقب زيادة: أتى جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، مراد الطبراني في الرواية المذكورة فقالت: هو السلام، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام، وللنسائي عن أنس قال: قال جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الله يقرىء خديجة السلام، يعني فأخبرها، فقالت: إن الله هو السلام، وعلى جبريل السلام، وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته، زاد ابن السني من وجه آخر: وعلى من سمع السلام إلاَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015