"إن لك من الأجر على قدر نصبك، ونفقتك" بواو العطف، وهذا يؤيد الاحتمال الأول.

وقوله في رواية ابن علية: "لا أعرف حديث ذا من حديث ذا" قد أخرج الدارقطني والحاكم من وجه آخر ما يدل على أن السياق الذي هنا للقاسم، فإنهما أخرجا عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها في عمرتها: "إنما أجرك في عمرتك على قدر نفقتك" واستدل به على أن الاعتمار لمن كان بمكة، من جهة الحل القريبة، أقل أجرًا من الاعتمار من جهة الحل البعيدة، وهو ظاهر هذا الحديث، وقال الشافعي في الإملاء: أفضل بقاع الحل للاعتمار الجعرانة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحرم منها، ثم التنعيم لأنه أذن لعائشة منها، قال: وإذا تنحى عن هذين الموضعين فأين أبعد حتى يكون أكثر لسفره كان أحب إلى، وحكى الموفق في "المغني" عن أحمد أن المكي كلما تباعد في العمرة، كان أعظم لأجره، وقال الحنفية: أفضل بقاع الحل للاعتمار التنعيم، ووافقهم بعض الشافعية والحنابلة، ووجهه ما مرَّ من أنه لم ينقل أن أحدًا من الصحابة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج من مكة إلى الحل ليحرم بالعمرة، غير عائشة، وأما اعتماره عليه الصلاة والسلام من الجعرانة، فكان حين رجع من الطائف مجتازًا إلى المدينة، ولكن لا يلزم من ذلك تعين التنعيم للفضل، لما دل عليه هذا الخبر من أن الفضل في زيادة التعب والنفقة، وإنما يكون التنعيم أفضل من جهة أخرى تساويه إلى الحل لا من جهة أبعد منه، وقال النووي: ظاهر الحديث أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة، وهو كما قال، لكن ليس ذلك بمطرد، فقد يكون بعض العبادة أخف من بعض، وهو أكثر فضلًا وثوابًا بالنسبة إلى الزمان؛ كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليال من رمضان غيرها، وبالنسبة للمكان، كصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة إلى صلاة ركعات في غيره، وبالنسبة إلى شرف العبادة المالية والبدنية، كصلاة الفريضة بالنسبة إلى أكثر من عدد ركعاتها أو أطول من قراءتها، ونحو ذلك من صلاة النافلة، وكدرهم من الزكاة بالنسبة إلى أكثر منه من التطوع، قاله العز بن عبد السلام في قواعده، قال: وقد كانت الصلاة قرة عين النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي شاقة على غيره، وليست صلاة غيره مع مشقتها مساوية لصلاته مطلقا وأجيب بأن الذي ذكره لا يمنع الإطراد لأن الكثرة الحاصلة فيما ذكره ليست من ذاتها، وإنما هي بحسب ما يعرض لها من الأمور المذكورة.

رجاله سبعة:

قد مرّوا: مرَّ مسدد في السادس من الإيمان، ومرَّ إبراهيم بن يزيد في الخامس والعشرين منه، ومرَّ ابن عون في التاسع من العلم، ومرَّ الأسود في السابع والستين منه، ومرَّ القاسم في الحادي عشر من الغسل، ومرَّ محل عائشة في الذي قبله.

أخرجه مسلم والنسائي في الحج.

ثم قال المصنف:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015