الحصبة بالمهملتين، وموحدة وزن الضربة، والمراد بها ليلة المبيت بالمحصب، وقد سبق الكلام على التحصيب في أواخر أبواب الحج قال ابن بطال: فقه هذا الباب أن الحاج يجوز له أن يعتمر إذا أتم حجه بعد انقضاء أيام التشريق، وليلة الحصبة هي ليلة النفر الأخير، لأنها آخر أيام الرمي واختلف السلف في العمرة أيام الحج فروى عبد الرزاق بإسناده عن مجاهد فقال: سئل عمر وعلي وعائشة عن العمرة ليلة الحصبة فقال: عمر "هي خير من لا شيء" وقال علي: نحوه وقالت عائشة: "العمرة على قدر النفقة" وأشارت بذلك إلى أن الخروج لقصد العمرة من البلد إلى مكة أفضل من الخروج من مكة إلى أدنى الحل وسيأتي تقرير ذلك بعد بابين، وجميع السنة وقت للعمرة، إلاَّ الحاج فيمتنع إحرامه بها قبل نفره أما قبل تحلله فلامتناع إدخالها على الحج وأما بعده فلاشتغاله بالرمي والمبيت، فهو عاجز عن التشاغل بعملها، أما إحرامه بها بعد نفره فصحيح إن كان وقت الرمي بعد النفر الأول باقيا لأنه بالنفر خرج من الحج وصار كما لو مضى وقت الرمي قال: في المجموع لا خلاف فيه.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحَجَّةِ، فَقَالَ لَنَا: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُهِلَّ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلَوْلاَ أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. قَالَتْ: فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَظَلَّنِي يَوْمُ عَرَفَةَ، وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: ارْفُضِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي.
محمد شيخ البخاري هو ابن سلام، وهذا الحديث قد مرَّ الكلام عليه في باب التمتع والقران، والإفراد وفي كتاب الحيض في أوله وفي آخره.
وفيه ذكر عبد الرحمن بن أبي بكر وقد مرَّ الجميع: مرَّ محمد ابن سلام في الثالث عشر