كذا للمستملي، واقتصر الباقون على "باب" وما بعده، ولأبي نعيم "كتاب" بدل "باب" وأضيفت الصدقة إلى الفطر، لكونها تجب بالفطر من رمضان. وقال ابن قتيبة: المراد بصدقة الفطر صدقة النفوس، مأخوذة من الفِطْرَة التي هي أصل الخِلقة، والأول أظهر، ويؤيده قوله في بعض طرق الحديث كما سيأتي "زكاة الفطر مِن رمضان".
ثم قال: ورأى أبو العالية وعطاء وابن سيرين صدقة الفطر فريضةً. وإنما اقتصر البخاري على ذكر هؤلاء الثلاثة لكونهم صرحوا بفرضيتها، وإلا فقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك، لكن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفرض، على قاعدتهم في التفرقة. وفي نقل الإجماع مع ذلك نظرٌ، لأن إبراهيم بن عليه وأبا بكر بن كيسان الأصم قالا: إن وجوبها قد نسخ، واستدل لهما بما روى النسائي وغيره، عن قيس بن سعد بن عبادة قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله" وتعقب بأن في إسناده راويًا مجهولًا، وعلى تقدير الصحة، فلا دليل فيه على النسخ، لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول، لأن نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر.
ونقل المالكية عن أشهب أنها سُنّة مؤكدة، وهو قول بعض أهل الظاهر، وابن اللَّبَّان من الشافعية، وأوّلوا قوله: فرض، في الحديث بمعنى قدّر. قال ابن دقيق العيد: هو أصله في اللغة، لكن نقل في عُرف الشرع إلى الوجوب، فالحمل عليه أولى، ويؤيده تسميتها زكاة. وقوله في الحديث: على كل حر وعبد، والتصريح بالأمر بها في حديث قيس بن سعد وغيره، ولدخولها في عموم قوله تعالى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} فبين -صلى الله عليه وسلم- تفاصيل ذلك، ومن جملتها زكاة الفطر. وقال الله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} وثبت أنها نزلت في زكاة الفطر، وثبت في الصحيحين إثبات صفة الفلاح لمن اقتصر على الواجبات قبل، وفيه نظر؛ لأن في الآية {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} فيلزم وجوب صلاة العيد، ويجاب بأنه خرج بدليل عموم "هن خمس، لا يُبُدَّل القول لديّ"،
وتعليق أبي العالية وابن سيرين رواهما ابن أبي شيبة في مصنفه عن وكيع، وتعليق عطاء وصله عبد الرزاق عن ابن جُريج عن عطاء، ورجال التعاليق قد مرت؛ مرّ أبو العالية في تعليق بعد الثاني من العلم، ومرّ عطاء بن أبي رباح في التاسع والثلاثين منه، ومرّ ابن سيرين في الأربعين من الإيمان