قال ابن بطال غرض المصنف في هذا الباب إثبات وضع الصدقة في صنف واحد، خلافًا لمن قال يجب استيعاب الأصناف الثمانية. وفي ما قاله نظر، لاحتمال أن يكون ما أباح لهم من الانتفاع إلا بما هو قدر حصتهم، على أنه ليس في الخبر أيضًا أنه ملكهم رقابها، وإنما فيه أنه أباح لهم شرب ألبان الإبل للتداوي، فاستنبط منه البخاريّ جواز استعمالها في بقية المنافع، إذ لا فرق. وأما تمليك رقابها فلم يقع، وتقدير الترجمة استعمال إبل الصدقة وشرب ألبانها، فاكتفى عن التصريح بالشرب لوضوحه، فغاية ما يفهم من حديث الباب أن للإمام أن يخص بمنفعة مال الزكاة دون الرقبة صنفًا دون صنف، بحسب الاحتياج، على أنه ليس في الخبر أيضًا تصريح بأنه لم يصرف، من ذلك شيئًا لغير العرنيين، فليست الدلالة منه لذلك بظاهرة أصلًا، بخلاف ما ادعى ابن بطال أنه حجة قاطعة.
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ اجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ.
وهذا الحديث مرّ الكلام عليه في كتاب الوضوء في باب أبوال الإبل والدواب.
قد مرّوا، مرّ مسدد ويحيى القطان وقتادة وأنس في السادس من الإيمان، ومرّ شعبة في الثالث منه، وقد مرّ الكلام على هذا الحديث.
ثم قال: تابعه أبو قُلابة وحميد وثابت عن أنس. أما متابعة أبي قلابة فقد مرت في كتاب الطهارة، ومتابعة حميد وصلها مسلم والنَّسائيّ وابن خُزيمة. ومتابعة ثابت وصلها البخاري في كتاب الطب. ورجال المتابعات قد مرّوا، مرّ أبو قلابة في التاسع من الإيمان، وحميد الطويل في الثاني والأربعين منه، ومرّ ثابت البنانيّ في تعليق بعد الخامس من العلم، وأنس مرَّ محله الآن. ثم قال المصنف: