ليس هو الله تعالى، وإن سموه به، إذ ليس موصوفًا بصفات الله الواجبة، فأذَنْ ما عرفوا الله سبحانه وتعالى.
وأمُرهم بالشهادتين؛ لأن ذلك أصل الدين الذي لا يصح شيء من فروعه إلا به، فمن كان منهم غير موحد على التحقيق، كالنصرانيّ، فالمطالبة موجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين، ومَنْ كان موحدًا كاليهود، فالمطالبة له بالجمع بين ما أقربه من التوحيد، وبين الإقرار بالرسالة. وقوله: "فإنْ هم أطاعوا لذلك" أي: للإتيان بالشهادتين.
وقوله: "فأَعلمهم" بفتح الهمزة من الِإعلام، وقوله: "أن الله قد افترض" بفتح همزة أن؛ لأنها في محل النصب على أنها مفعول ثانٍ للإعلام، وطاعتهم بالصلاة يحتمل وجهين: أحدهما أن يريد إقرارهم بها، أي بوجوبها، والثاني أن يريد الطاعة بفعلها. ويرجح الأول أن المذكور في لفظ الحديث هو الإخبار بالفريضة، فتعود الإشارة بذلك إليها، ويرجح الثاني أنهم لو أخبروا بالوجوب فبادروا بالامتثال بالفعل، لكفى، ولم يشترط تلقيهم بالإقرار بالوجوب، وكذا الزكاة، لو امتثلوا بأدائها من غير تلفظ بالإقرار لكفى، فالشرط عدم الإنكار والإذعان بالوجوب لا باللفظ.
وقوله: "تؤخذ من أغنيائهم" على صيغة المجهول في محل النصب على أنه صفة، لقوله: صدقة، وكذلك قوله: وترد، على صيغة المجهول، عطف على قوله: "تؤخذ"، وأُخذ من هذا وجوب أَخْذ الزكاة ممن وجبت عليه، وقهر الممتنع على بذلها, ولو لم يكن جاحدًا، فلو كان مع امتناعه ذا شوكة قوتل، وإلا فإن أمكن تعزيره على الامتناع عُزّر بما يليق به.
وقد ورد في تعزيره بالمال حديث بَهْز بن حكيم، عن أبيه عن جده، مرفوعًا ولفظه "ومَنْ منعها، يعني الزكاة، فأنا آخذِها وشطر ماله عَزْمة من عزَمَات ربنا" أخرجه أبو داود والنسائي، وصححه ابن خُزيمة والحاكم. وأما ابن حِبّان فقالَ في ترجمة بَهْز بن حيكم: لولا هذا الحديث لأدخلته في كتاب "الثقات"، وأجاب من صححه، ولم يعمل به، بأن الحكم الذي دل عليه منسوخ، وأن الأمر كان أولًا كذلك، ثم نسخ.
وضعّف النوويّ هذا الجواب من جهة أن العقوبة بالمال لا تعرف أولًا، حتى يتم دعوى النسخ، ولأن النسخ لا يثبت إلا بشرطه، كمعرفة التاريخ" ولا يعرف ذلك، واعتمد النوويّ ما أشار إليه ابن حِبّان من تضعيف بَهْز، وليس بجيد؛ لأنه موثق عند الجمهور، ولكن إطباق علماء الأمصار على عدم العمل به، يدل على أن له معارضًا راجحًا، وقول مَنْ قال بمقتضاه يعد في ندرة المخالف، ودل الحديث على أن الذي يقبض الزكاة الإِمام أو مَنْ أقامه لذلك، وقد أطبق الفقهاء بعد ذلك على أنَّ لأرباب الأموال الباطنة مباشرةَ الإخراج، وشذ مَنْ قال بوجوب الدفع إلى الإِمام، وهو رواية عن مالك، وفي القديم للشافعي نحوه، على تفصيل عنهما فيه، والحق أن الأمير إذا كان لا يضع الزكاة في مواضعها لا يجوز دفعها له طوعًا، وإن دفعها له طوعًا لم تجز، وإن أخذها من