بعده: يا أمير المؤمنين ما يمنعك أن تصنع كما صنع أبو بكر؟ ويحتمل أن يكون ذلك قبل أن يطعنه أبو لؤلؤة. فقد روى مسلم عن مَعدان بن أبي طلحة أن عمر قال في خطبته قبل أن يُطعن: إن أقوامًا يأمرونني أن أَستخلف.
وقوله: "فسمَّى عثمان وعليًا ... إلخ"، وعند ابن سعد من رواية ابن عمر أنه ذكر عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعليًا، وفيه قلت لسالم: أبدأ بعبد الرحمن بن عوف قبلهما، قال: نعم، فدل هذا على أن الرواة تصرفوا؛ لأن الواو لا ترتب، واقتصار عمر على الستة من العشرة لا إشكال فيه؛ لأنه منهم، وكذلك أبو بكر، ومنهم أبو عبيدة وقد مات قبل ذلك، وأما سعيد بن زيد فهو ابن عم عمر، فلم يسمه عمر فيهم مبالغة في التبري من الأمر، وقد صرح في رواية المدائنيّ بأسانيده أنَّ عمر عد سعيد بن زيد فيمن توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ، إلا أنه استثناه من أهل الشورى لقرابته منه، وقد صرّح بذلك المدائنيّ بأسانيده قال: فقال عمر: لا أرب لي في أموركم فارغب فيها لأحدٍ من أهلي.
وفي رواية "المناقب" زيادة "يُشَهدُكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء، كهيئة التعزية له" في رواية الطبري عن المدائنيّ بأسانيده قال: فقال له رجل: استخلف عبد الله بن عمر، قال: والله ما أردتَ الله بهذا، وأخرج ابن سعد بسند صحيح من مرسل إبراهيم النخعي نحوه، قال: فقال عمر: قاتلك الله، والله ما أردت الله بهذا، أأستخلف مَنْ لم يحسن أن يطلق امرأته؟
وقوله: "كهيئة التعزية له"، أي: لابن عمر؛ لأنه لما أخرجه من أهل الشورى في الخلافة، أراد جبر خاطره بأن جعله من أهل المُشاورة في ذلك، وزعم الكرمانيّ أن قوله: "كهيئة التعزية له" من كلام الراوي، ولم أعرف من أين تهيأ له الجزم بذلك مع الاحتمال، وذكر المدائنيّ أن عمر قال لهم: إذا اجتمع ثلاثة على رأي، وثلاثة على رأي، فحكموا عبد الله بن عمر، فإن لم ترضوا بحكمه، فقدموا مَنْ معه عبد الرحمن بن عوف. وفي رواية "المناقب" زيادة "فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذلك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة" والإِمِرة بكسر الميم، وللكشميهنيّ "الإِمارة"، وزاد المدائنيّ "وما أظن أن يلي هذا الأمر إلا عثمان أو علي، فإن ولي عثمان فرجل فيه لين، وإن ولي عليّ فستختلف عليه الناس، وإن ولي سعد، وإلا فليستعن به الوالي، ثم قال لأبي طلحة: إن الله نصر بكم الإِسلام، فاختر خمسين رجلًا من الأنصار، واستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلًا منهم".
وقوله: "وأوصى الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين" في رواية أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون "فقال ادعو لي عليًا وعثمان وعبد الرحمن وسعدًا والزبير" وكان طلحة غائبًا، قال: فلم يكلم أحدًا منهم غير عثمان وعلي، فقال: يا عليّ لعل هؤلاء القوم يعلمون لك حقك، وقرابتك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصهرك، وما آتاك الله من الفقه والعلم، فإنْ وُلِّيت هذا الأمر فاتق الله فيه، ثم دعا عثمان فقال: يا عثمان، فذكر له نحو ذلك".