على النطقة، فيخلق من التراب ومن النطفة، فذلك قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} إلخ.
وعند الترمذيّ قال محمد بن سيرين "لو حلف صادقًا بارًّا غير شاكٌ ولا مستثنٍ، أن الله تعالى ما خلق نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ولا أبا بكر، ولا عمر، إلا من طينة واحدة، ثم ردّهم إلى تلك الطينة"، وقد أحتج أبو بكر الأبْهريّ المالكيّ على أن المدينة أفضل من مكة بأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مخلوق من تربة المدينة، وهو أفضل البشر، فكانت تربته أفضل الترب. قال في "الفتح ": وكون تربته أفضل الترب، لا نزاع فيه. وإنما النزاع هل يلزم من ذلك أن تكون المدينة أفضل من مكة؟ لأن المجاور للشيء، لو ثبت له جميع مزاياه، لكان لما جاور ذلك المجاور نحوُ ذلك، فيلزم أن يكون ما جاور المدينة أفضل من مكة، وليس كذلك اتفاقًا، كذا أجاب بعض المتقدمين، وفيه نظر.
قلت: بطلانه ظاهر؛ لأن الذي يقال إن التابع للفاضل، أفضل من التابع للمفضول، فهذا كانت بقعته عليه الصلاة والسلام أفضل من الكعبة، كان التابع لها أفضل من التابع للكعبة، هذا هو مراد الأبهريّ في استدلاله، لا ما قاله ذلك المجيب.
مرَّ محمد بن مقاتل في السابع من العلم، وابن المبارك في السادس من بدء الوحي، والباقي اثنان، الأول أبو بكر بن عيّاش بن سالم الأَسَديّ الكوفيّ الحنّاط المُقْرِىء، مولى واصل الأحدب، اختلف في اسمه اختلافًا كثيرًا، والأصح أن اسمه كنيته. قال الفضل بن موسى: قلت لأبي بكر بن عيّاش: ما اسمك؟ قال: ولدت وقد قسمت الأسماء. ذكره ابن المبارك وأثنى عليه. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: صدوق صالح، صاحب قرآن وحديث. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ثقة ربما غلِط.
وقيل لابن مُعين: فأبو الأحوص أحب إليك في أبي إسحاق أو أبو بكر بن عَيّاش؟ قال: ما أقربهما، قيل له: الحسن بن عياش أخو أبي بكر، كيف حديثه؟ قال: هو ثقة. قال عثمان الدارميّ: هما من أهل الصدق والأمانة، وليسا بذاك في الحديث. وذكره ابن حِبّان في "الثقات"، وقال: اختلفوا في اسمه، والصحيح أن اسمه كنيته. وكان من العُبّاد الحُفّاظ المتقنين، وكان يحيى القطّان وعليّ بن المدينيّ يسيئان الرأي فيه، وذلك أنه لما كبر ساء حفظه، فكان يوهم إذا روى، والخطأ والوهم شيئان لا ينفك عنهما البشر، فمَنْ كان لا يكثر ذلك منه، فلا يستحق أن يترك حديثه بعد تقدم عدالته.
وكان شريك يقول: رأيت أبا بكر بن عياش عند أبي إسحاق يأمر وينهى كأنه رب البيت، قد صام سبعين سنة وقامها، وكان لا يعلم له بالليل نوم، والصواب في أمره مجانبة ما علم أنه أخطأ فيه، والاحتجاج بما يرويه سواء وافق الثقات أو خالفهم. وقال العجليّ: كان ثقة قديمًا، صاحب