أنها قصة أخرى، ويأتي إنْ شاء الله تعالى إيضاح ذلك في كتاب الصيام، وفي الحديث من الفوائد جواز الصدقة عن الميت، وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه، ولاسيما إن كان من الولد، وهو مخصص لعموم قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} ويلتحق بالصدقة العتق عنه عند الجمهور، خلافًا للمشهور عند المالكية، وقد اختلف في غير الصدقة من أعمال البر، هل تصل إلى الميت كالحج والصوم؟ ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصيام الكلام على، ذلك مستوفى.

وفيه أنَّ ترك الوصية جائزٌ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يذم أُم سعد على ترك الوصية، قاله ابن عبد البَرّ. وتعقب بأن الإنكار عليها قد تعذر لموتها، وسقط عنها التكليف، وأجيب بأن فائدة إنكار ذلك لو كان منكرًا ليتعظ غيرها ممن سمعه، فلما أقر على ذلك، دل على الجواز. وفيه ما كان الصحابة عليه من استشارته عليه الصلاة والسلام في أمور الدين، وفيه العمل بالظن الغالب، وفيه الجهاد في حياة الأم، وهو محمول على أنه استأذنها. قلت: أو لكونه خارجًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا يحتاج إلى إذنها.

وفيه السؤال عن التحمل والمسارعة إلى عمل البر، والمبادرة إلى بر الوالدين، وأن إظهار الصدقة قد يكون خيرًا من إخفائها، وهو عند اغتنام صدق النية فيه، وأن للحاكم تحمل الشهادة في غير مجلس الحكم، لقوله في بعض الروايات "أشهدك أنّ حائطَي المخراف صَدَقةٌ عليها" وعند ابن ماكولا عن أنس أنه قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: إنا لندعو لموتانا، ونتصدق عنهم، ونحجّ، فهل يصل ذلك إليهم؟ فقال: إنه ليصل إليهم، ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالهدية.

رجاله خمسة:

قد مرّوا، وفيه لفظ رجل مبهم، وهو سعد بن عبادة، وقد مرَّ أيضًا مرَّ سعيد بن أبي مريم في الرابع والأربعين من العلم، ومرَّ محمد بن جعفر غندر في الخامس والعشرين من الإيمان, ومرَّ محل الثلاثة الباقية في الذي قبله، ومرَّ سعد بن عبادة في الخامس والأربعين من الجنائز.

وأُمه المذكورة في الحديث هي عَمرة بنت مسعود بن قيس بن عمرو بن زيد مناة بن عَدِيّ بن عمرو بن مالك بن النجار، والدة سعد بن عبادة، ماتت في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة خمس، وقال ابن سعد: ماتت والنبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة دَوْمة الجندل، في شهر ربيع الأول، فلما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ أتى قبرها، فصلى عليها. وفي هذا الحديث سؤال ولدها سعد عن الصدقة عنها.

لطائف إسناده:

فيه التحديث بالجمع والإخبار بالأفراد، والعنعنة والقول، وفيه رواية الابن عن الأب، وشيخه مصري وبقية الرواة مدنيون. ثم قال المصنف:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015