الميم، أي نظر إلى فوق، وقوله: "صُعُدا" بضم المهملتين أي ارتفع كثيرًا، وضبطه ابن التين بفتح العين، وأستبعد ضمها.
وقوله: "مثل الرَّبابة"، بفتح الراء وتخفيف الموحدتين، وهي السحابة البيضاء، ويقال لكل سحابة منفردة دون السحاب، ولو لم تكن بيضاء. وقال الخطابيّ: الربابة السحابة التي رَكِب بعضها بعضًا، وفي رواية الباب فرفعت رأسي فإذا فوقي مثل السحاب، وفيها فقلت: دعاني أدخل منزلي، قالا: إنه قد بقي لك عمر لم تستكمله، ولو استكملت به أتيت منزلك. وفي رواية الباب "ثم أخرجاني منها، فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل" وقد مرَّ في رواية الباب "وإذا رجل بين يديه نار يوقدها" وفي التعبير: فأتينا على رجل كريه المَرْآةِ كأكره ما أنت راءٍ رجلًا مَرْآة، فإذا عنده نارٌ يحشها ويسعى حولها.
وقوله: "وأما الرجل الذي رأيته يشق شدقه، فكذاب يحدث بالكذبة، فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة. قال ابن مالك: لابد من جعل الموصوف الذي هنا للمعين كالعام حتى جاز دخول الفاء في خبره، أي المراد هو وأمثاله، ولفظ ابن مالك في هذا شاهد على أن الحكم قد يستحق بجزء العلة، وذلك أن المبتدأ لا يجوز دخول الفاء على خبره إلا إذا كان شبيهًا بمن الشرطية في العموم، واستقبال ما يتم به المعنى، نحو الذي يأتيني فمكرم، ولو كان المقصود بالذي معينًا زالت مشابهته بمن، وامتنع دخول الفاء على الخبر، كما يمتنع دخولها على أخبار المبتدآت المقصود بها التعيين، نحو زيد فمكرم لم يخبر، وكذا لا يجوز الذي يأتيني فمكرم إذا قصدت به معينًا، لكن الذي يبنى عند قصد التعيين شبيه في اللفظ بالذي يأتيني عند قصد العموم، فجاز دخول الفاء حملًا للشبيه على الشبيه، ونظيره قوله تعالى: {مَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} فإن مدلول ما معين، ومدلول أصابكم ماضٍ إلا أنه روعي فيه التشبيه اللفظي، لشبه هذه الآية بقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} فأجرى ما في مصاحبة الفاء مجرى واحدًا.
قال الطيبي: هذا كلام متين، لكن جواب الملكين تفصيلٌ لتلك الرؤيا المتعددة المبهمة، لابد من ذكر كلمة التفصيل، أو تقديرها، فالفاء جواب إما. قلت: رواية الباب مصرح فيها بإما، فلا احتياج إلى ما ذكره ابن مالك، وقوله: فتحمل عنه، بالتخفيف للأكثر، ولبعضهم بالتشديد، وإنما استحق التعذيب لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد، وهو فيها مختار، غير مكره، ولا مُلْجأ.
قال ابن هبيرة: لما كان الكاذب يساعد أنفُه وعينُه لسانَه على الكذب بترويج باطله، وقعت المشاركة بينهم في العقوبة، لما في رواية التعبير "بشر شر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه".