ذراري المشركين" قال في الفتح: لم أقف في شيء من الطرق على تسمية السائل، لكن عند أحمد وأبي داود عن عائشة، ما يَحْتَملُ أن تكون هي السائلة، فأخرجا عن عبد الله بن أبي قيس عنها قالت: قلت يا رسول الله، وذراري المسلمين؟ قال: مع آبائهم، قلت: يا رسول الله، بلا عمل؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين. الحديث.

وروى عبد الرزاق عن عروة عن عائشة قالت: "سألت خديجةُ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أولاد المشركين، فقال: هم مع آبائهم، ثم سألته بعد ذلك، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم سألته بعد أن استحكم الإِسلام، فنزل {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} قال: هم على الفطرة، أو قال: في الجنة" وفيه أبو معاذ سليمان بن أرقم، وهو ضعيف، ولو صح هذا لكان قاطعًا للنزاع، رافعًا لكثير من الإشكال الآتي، وقد اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في هذه المسألة على أقوال:

أحدها: أنهم في مشيئة الله تعالى, وهو منقول عن الحمادين وابن المبارك وإسحاق، ونقله البيهقي في الاعتقاد عن الشافعيّ في حق أولاد الكفار خاصة. قال ابن عبد البر: وهو مقتضى صنيع مالك، وليس عنده في هذه المسألة شيء منصوص، إلا أن أصحابه صرحوا بأن أطفال المسلمين في الجنة، وأطفال الكفار خاصة في المشيئة، والحجة فيه حديث "الله أعلم بما كانوا عاملين".

ثانيها: أنهم تَبَع لآبائهم، فاولاد المسلمين في الجنة، وأولاد الكفار في النار، وحكاه ابن حزم في الأزارقة من الخوارج، واحتجوا بقوله تعالى: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} وتعقبه بأن المراد قوم نوح خاصة، وإنما دعا بذلك لما أوحى الله إليه أنه {لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}. وأما حديث "هم من آبائهم أو منهم" فذلك في حكم الحربي، وروى أحمد عن عائشة "سألتُ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن ولدان المسلمين، قال: في الجنَّة، وعن أولاد المشركين قال: في النار، قلت: يا رسول الله، لم يدركوا الأعمال؟ قال ربك أعلم بما كانوا عاملين، لو شئت أسمعتك تضاغيهم في النَّار"، وهو حديث ضعيف جدًا لأن في إسناده أبا عقيل مولى بهيّة، وهو متروك.

ثالثها: أنهم يكونون في برزخ بين الجنة والنار؛ لأنهم لم يعملوا حسنات يدخلون بها الجنة، ولا سيئات يدخلون بها النار.

رابعها: خدم أهل الجنة، وفيه حديث عن أنس ضعيف، أخرجه أبو داود والطَّيَالسيّ وأبو يعلى وللطبرانيّ والبزّار عن سمرة "أولاد المشركين خدم أهل الجنَّة" وإسناده ضعيف.

خامسها: أنهم يصيرون ترابًا، رُوي عن ثُمامة بن أَشْرس.

سادسها: هم في النار، حكاه عياض عن أحمد، وقال بعض الحنابلة: إنه قول لبعض أصحابه، ولا يحفظ عن الإِمام أصلًا.

سابعها: أنهم يمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نار، فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومن أبى عُذِّب. أخرجه البزار عن أنس وأبي سعيد، وأخرجه الطبرانيّ عن معاذ بن جبل، وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015