وقل اختلف أهل التأويل في المراد بالموتى، في قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} وفي المراد بمن في القبور، فحملته عائشة على الحقيقة، وجعلته أصلًا احتاجت معه إلى تأويل قوله "ما أنتم بأسمع منهم لما أقول" وهذا قول الأكثر، وقيل: هو مجاز، والمراد بالموتى وبمن في القبور، الكفارُ، شبهوا بالموتى وهم أحياء، والمعنى من هم في حال الموتى من سكن القبر، وعلى هذا لا يبقى في الآية دليل على ما نفته عائشة رضي الله تعالى عنها.

وقد اختلف في سؤال الميت، هل يقع في الروح أو البدن، أو عليهما؟ إلى آخر ما مرَّ مستوفى عند حديث أسماء في باب الفُتْيا بإشارة الرأس واليد. ووجه إدخال حديث ابن عمر، وما عارضه من حديث عائشة، في ترجمة عذاب القبر أنه لمّا ثبت من سماع أهل القليب كلامه، وتوبيخه لهم، دل إدراكهم الكلام بحاسة السمع على جواز إدراكهم ألم العذاب ببقية الحواس، بل بالذات، إذ الجامع بينهما وبين بقية الأحاديث أن المصنف أشار إلى طريق من طرق الجمع بين حديثي ابن عمر وعائشة، يحمل حديث ابن عمر على أن مخاطبة أهل القليب وقعت وقت المسألة، وحينئذ كانت الروح قد أُعيدت إلى الجسد، وقد تبين من الأحاديث الأخرى أن الكافر المسؤول يعذب، وأما إنكار عائشة، فمحمول على غير وقت المسألة، فيتفق الخبران، ويظهر من هذا التقرير وجه إدخال حديث ابن عمر في هذه الترجمة.

رجاله خمسة:

قد مرّوا، مرَّ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة في الثامن من العمل في الصلاة، وسفيان بن عُيينة في الأول من بدء الوحي، وهشام وعروة وعائشة في الثاني منه.

الحديث الثامن والعشرون والمئة

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ سَمِعْتُ الأَشْعَثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ، فَقَالَتْ لَهَا أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدُ صَلَّى صَلاَةً إِلاَّ تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. زَادَ غُنْدَرٌ عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ.

قوله: سمعت الأشعث عن أبيه، في رواية أبي داود الطَّيالسيّ "عن شعبة عن أشعث سمعت أبي"، وهذا الحديث مرَّ الكلام عليه مستوفى في باب التعوُّذ من عذاب القبر في الكسوف. وقوله هنا: قال نعم عذاب القبر، هو رواية الأكثر، وزاد في رواية الحموي والمستملي "حق" وليس بجيد, لأن المصنف قال عقب هذه الطريق: زاد غندر "عذاب القبر حق"، فتبيَّنَ أن لفظ "حق" ليس في رواية عبدان عن أبيه عن شعبة، وأنها ثابتة في رواية غندر عن شعبة، وهو كذلك، وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015