الصعق من سماع كلام الصالح، لكونه مألوف.
وقد روى أبو القاسم بن مَنْده هذا الحديث في كتاب "الأهوال" بلفظ "لو سمعه الإنسان لصَعِق من المحسن والمسيء" فإن كان المراد به المفعول دل على وجود الصعق عند سماع كلام الصالح أيضًا، وقد استشكل هذا ما ورد في حديث السؤال في القبر "فيضربه ضربة فيصعق صعقة يسمعها كل شيء إلا الثقلين" والجامع بينهما الميت والصعق. والأول استثنى فيه الإِنس فقط، والثاني استثنى فيه الإنس والجن. والجواب أن كلام الميت بما ذكر لا يقتضي وجود الصعق، وهو الفزع، إلاَّ من الآدميّ، لكونه لم يألف سماع كلام الميت، بخلاف الجن في ذلك.
وأما الصيحة التي يصيحها المضروب، فإنها غير مألوفة للإِنس والجن جميعًا، لكن سببها عذاب الله، ولا شيء أشد منه على كل مكلف، فاشترك الإنس والجن في ذلك. قلت: قوله: بخلاف الجن في ذلك، دالٌّ على أن الجن مألوف عندهم سماع كلام الموتى, ومن أين له ذلك، وأي دليل عليه؟
واستدل به على أن كلام الميت يسمعه كل حيوان ناطق وغير ناطق، لكن قال ابن بطال: هو عام أريد به الخصوص، وأن المعنى يسمعه من له عقل، كالملائكة والجن والإنس, لأن المتكلم رُوح وإنما يسمع الروح من هو روح مثله، وتعقب بمنع الملازمة إذ لا ضرورة إلى التخصيص، بل لا يستثنى إلا الإنسان، كما هو ظاهر الخبر، وإنما اختص الإِنسان بذلك إبقاء عليه وبأنه لا مانع من إنطاق الله الجسد بغير روح كما مرَّ.
قد مرّوا، مرَّ عبد العزيز بن عبد الله الأُوَيْسِيّ في الأربعين من العلم، ومرَّ الليث في الثالث من بدء الوحي، ومرَّ سعيد المَقْبَريّ في الثاني والثلاثين من الإِيمان, وأبو سعيد الخُدْرِيّ في الثاني عشر منه، ومرَّ أبو سعيد كيسان في السادس والعشرين من صفة الصلاة. والحديث أخرجه النسائيُّ أيضًا ثم قال المصنف:
تم بعون الله الجزء الحادي عشر
ويليه الجزء الثاني عشر وأوله باب
السرعة بالجنازة