الحديثين من كشف الميت بعد تسجيته، مُساوٍ لحاله بعد تكفينه.
وقوله وينهوني في رواية الكشميهني "ينهونني" وهي أوجه وأوفى، قوله: تبكين أو لا تبكين، للتخيير، ومعناه أنه مكرم بصنيع الملائكة، وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه. وفي "التلويح" لم تبكي؟ قال القرطبيّ: صحت الرواية بلم التي للاستفهام، وفي مسلم تبكي بغير نون؛ لأنه استفهام لمخاطب عن فعل غائبة. قال القرطبيّ: ولو خاطبها خطاب الحاضرة بالاستفهام لقال: لم تبكين؟ بالنون. وفي رواية "تبكيه أو لا تبكيه" وهو إخبار عن غائبة.
وقوله: حتى رفعوه، أي إلى مدفنه، وقول العينيّ "من مغسله" لا يصح؛ لأنّ الشهيد لا يغسل، وإظلاله بأجنحتها لاجتماعهم عليه، وتزاحمهم على المبادرة بصعود روحه رضي الله تعالى عنه، وتبشيره بما أعد الله له من الكرامة، أو أنهم أظلوه من الحر ليلًا يتغير، أو لأنه من السبعة الذين يظلهم الله بظله، يوم لا ظل إلا ظله. وروى بَقِيَّ بن مَخْلَد عن جابر قال: لقيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ألا أبشرك أن الله قد أحب أباك، وكلَّمه كِفاحًا، وما كلم أحدًا قط إلا من وراء حجاب؟ ".
وقوله: فما زالت الملائكة تظله، إنما قاله بطريق الوحي، فلا يعارضه ما في حديث أم العلاء السابق، حيث أنكر عليها قطعها، إذ لم تعلم من أمره شيئًا.
قد مرّوا؛ وفيه ذكر أبي جابر، وذكر عمته فاطمة. مرَّ محمد بن بشّار في الحادي عشر من العلم، ومرَّ غندر في الخامس والعشرين من الإِيمان، وشعبة في الثالث منه، ومحمد بن المنكدر في التاسع والخمسين من الوضوء.
وأبو جابر هو عبد الله بن عمرو بن حَرَام، الأنصاريّ، الخزرجيّ السلميّ، والد جابر بن عبد الله الصحابيّ المشهور، يكنى أبا جابر، معدودٌ في أهل العَقَبة وبدر وكان من النقباء، واستشهد بأُحد. ثبت ذكره في الصحيحين من حديث ولده قال: أتيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، في دَيْن كان على أبي، فدفعت عليه الباب ... الحديث بطوله. ومن حديثه أيضًا "لما قُتِل أبي بأحد ... الخ" وفيه "ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها".
وروى الترمذيّ من حديث جابر: "لقيني النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا جابر، مالي أراك منكسرًا مُهْتمًا؟ فقلت: يا رسول الله، قتل أبي وتَرَك دَينًا وعيالًا، فقال: ألا أبشرك؟ قلت: بلى. قال: ما كلم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب، فإنه كلم أباك كِفاحًا. فقال: يا عبدي تمنَّ أعطِك قال: يا رب تردني إلى الدنيا، فأقتل فيك ثانية. قال الرب تعالى: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: يا رب،