محصله: كان أبو بكر عالمًا بأنه، -صلى الله عليه وسلم-، لا يزال مَصُونًا عن كل أذى، فساغ الدخول من غير تنقيب عن الحال، وليس ذلك لغيره.
وقوله: "بالسُّنْحُ"، بضم السين وسكون النون وبضمها والحاء المهملة، وهو منازل بني الحارث بن الخزرج، بينها وبين منزل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ميل. وقد كان أبو بكر متزوجًا فيهم. وقوله: "فتيمم" أي: قصد. وقوله: وهو مُسجّى، جملة إسمية وقعت حالًا، ومعنى مسجى، هنا، مغطى. وقوله: بِبُرْدِ حِبَرة، أيْ: بضم الموحدة وسكون الراء، وحِبَرَة على وزن عنبة، ثوب يمانيٌّ يكون من قطن أوَ كَتّان مخطط. وقال الداوديّ: هو ثوب أخضر. وحبرة تحتمل الإِضافة والوصف، أي: إضافة ثوب، والوصف بحبرة بالتنوين.
وقوله: ثم أكبَّ عليه، هذا اللفظ ثلاثيُّه كَبَّ متعدٍ، ورباعيه أَكَبَّ، لازم عكس ما هو المشهور في القواعد التصريفية. وقوله: فقبّله، أي: بين عينيه، وترجم عليه النَّسائيّ، وأخرج عن عائشة أن أبا بكر قبَّلَ بين عينيّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو ميت.
وقوله: "بأبي أنت" أي: أنت مُفَدَّى بأبي، فالباء متعلقة بمحذوف، فيكون مرفوعًا خبرًا ومبتدءًا، وقوله: لا يجمع الله عليك موتَتين: في هذا اللفظ إشكال، وأجيب عنه بأجوبة، فقيل: هو على حقيقته، وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيى، فيقطع أيدي رجال؛ لأنه لو صح ذلك، للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله تعالى من أن يجمع عليه موتتين، كما جمعهما على غيره، كالذين خرجوا من ديارهم وهو ألوف، وكالذي مرَّ على قرية، وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها، وقيل: أراد لا يموت موتة أخرى في القبر، كغيره إذ يُحيا ليسئل ثم يموت، وهذا جواب الداوديّ. وقيل: لا يجمع الله موتَ نفسك وموتَ شريعتك، وقيل: كنى بالموت الثاني عن الكرب، أي: لا تلقى بعد كرب هذا الموت كربًا آخر.
وقوله: كتبت عليك، وفي رواية "التي كتب الله" أي: قدرها الله، وقوله: مُتَّها، بضم الميم وكسرها، من مات يموت، ومات يَمَات، والضمير راجع إلى الموتة، وقوله: وعمر يكلم الناس، أي: يقول لهم: ما مات محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعند أحمد عن عائشة "فسجيته بثوب، فجاء عمر والمغيرة بن شعبة، فاستأذنا فأذنت لهما، وجذبت الحجاب، فنظر عمر إليه، فقال: واغشيتاه، ثم قاما، فلما دَنَوا من الباب، قال المغيرة لعمر: مات يا عمر، قال: كذبت، بل أنت رجل تَحُوشك فِتنة، إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يموت حتى يُفني الله المنافقين، ثم جاء أبو بكر، فرفعت الحجاب، فنظر إليه، فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
وروى ابن إسحاق وعبد الرزاق والطبرانيّ عن عكرمة "أن العباس قال لعمر: هل عند أحد منكم عهدٌ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-في ذلك؟ قال: لا، قال: فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد مات، ولم يمت حتى