على ركعتين أو أكثر، أجزأ، كذا أطلق، وفيه نظر، ويظهر أن يقال: إن نوى تلك الصلاة بعينها وصلاة الاستخارة معًا، أجزأ بخلاف ما إذا لم ينو، ويفارق صلاة تحية المسجد؛ لأن المراد بها شغل البقعة بالدعاء، والمراد بصلاة الاستخارة أن يقع الدعاء عَقِبَها أو فيها، ويبعد الإجزاء لمن عرض له الدعاء بعد فراغ الصلاة؛ لأن ظاهر الخبر أن تقع الصلاة والدعاء بعد وجود إرادة العزم، وأفاد النوويّ أنه يقرأ في الركعتين "الكافرون والإخلاص".

قال العراقي في شرح التِّرمِذِيّ: لم أقف على دليل ذلك، ولعله ألحقهما بركعتي الفجر والركعتين بعد المغرب. قال: ولهما مناسبة بالحال لما فيهما من الإخلاص والتوحيد. والمستخير يحتاج لذلك. قال: ومن المناسب أن يقرأ فيهما مثل قوله: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار} وقوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} والأكمل أن يقرأ في كل منهما السورة والآية الأوليين في الأولى، والأخريين في الثانية، ويؤخذ من قوله: "من غير الفريضة" أن الأمر بصلاة ركعتي الاستخارة ليس على الوجوب، قال العراقيّ في شرح التِّرمِذِيّ: لم أر مَنْ قال بوجوب الاستخارة، لورود الأمر بها ولتشبيهها بتعليم السورة من القرآن، لما استدل بمثل ذلك في وجوب التشهد في الصلاة، لورود الأمر به في قوله: "فليقل"، ولتشبيهه بتعليم السورة من القرآن، فإن قيل: الأمر تعلق بالشرط، وهو قوله: "إذا أهم أحدكم بالأمر"، قلنا: وكذلك في التشهد، إنما يؤمر به من صلى، ويمكن الفرق، وإن اشتركا فيما ذكر، بأن التشهد جزء من الصلاة، فيؤخذ الوجوب من قوله: "صلّوا كما رأيتموني أُصلي"، ودل على عدم وجوب الاستخارة ما دل على عدم وجوب صلاة زائدة على الخمس في حديث "هل عَلَيّ غيرها؟ قال: لا، إلاَّ أن تَطَوَّع" وهذا، وان صلح للاستدلال به على عدم وجوب ركعتي الاستخارة، لكن لا يمنع من الاستدلال به على وجوب دعاء الاستخارة، فكأنهم فهموا أن الأمر فيه للإرشاد، فعدلوا به عن سنن الوجوب، ولما كان مشتملا على ذكر الله والتفويض إليه كان مندوبًا.

والخبر ظاهر في تأخير الدعاء عن الصلاة، فلو دعا به في أثناء الصلاة احتمل الإجزاء، ويحمل الترتيب على تقديم الشروع في الصلاة قبل الدعاء، فإنَّ موطن الدعاء في الصلاة السجود أو التشهد. وقال ابن أبي جمرة: الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيريّ الدنيا والآخرة، فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لذلك الجمع، ولا أنجح من الصلاة لما فيها من تعظيم الله، والثناء عليه، والافتقار إليه حالًا ومآلًا.

وقوله: "اللَّهمَّ إني أستخيرك بعلمك" الباء للتعليل، أي: لأنك أعلم، وكذا هي في قوله: "بقدرتك" ويحتمل أن تكون للاستعانة، كقوله: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا} ويحتمل أن تكون للاستعطاف، كقوله تعالى: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} الآية.

وقوله: "وأستقدرك" أي: أطلب منك أن تجعل لي على ذلك قدرة، ويحتمل أن يكون المعنى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015