فتوضأ أطلقت الثانية، فإن صلى أطلقت الثالثة" وكأنه محمول على الغالب، وهو من ينام مضطجعاً فيحتاج إلى الوضوء إذا انتبه، فيكون لكل فعل عقدة قال في "الفتح": قلت: هذا منه جرى على مذهبه، وكأنه جعل السنة جاريةً على مذهبه، ولم ينتبه إلى أن نقض وضوء الجالس بالنوم هو مذهب مالك. وكثير من العلماء. ثم قال: ويؤيد الأول ما يأتي في بدء الخلق من وجه آخر. بلفظ: "عقده كلها" ولمسلم من رواية ابن عُيينة عن أبي الزناد "انحلت العقد"، وظاهره أن العقد تنحل كلها بالصلاة خاصة، وهو كذلك في حق مَنْ لم يحتج إلى الطهارة، كمن نام متمكنًا مثلًا، ثم انتبه فصلى من قبل أن يذكر أو يتطهر، فإن الصلاة تجزئه في حل العُقد كلها؛ لأنها تستلزم الطهارة، وتتضمن الذكر، وعلى هذا فيكون معنى قوله: "فإذا صلّى انحلت عقده كلها" إن كان المراد به مَنْ لا يحتاج إلى الوضوء، فظاهر على ما قررناه، وإن كان من يحتاج إليه، فالمعنى انحلت عقده كلها بانحلال الأخيرة، التي بها يتم انحلال العقد.

وفي رواية أحمد المذكورة قبل: "فإن قام فذكر الله انحلت واحدة، فإن قام فتوضأ أطلقت الثانية، فإن صلى أطلقت الثالثة" وهذا محمول على الغالب، وهو مَنْ ينام مضطجعًا فيحتاج إلى تجديد الطهارة عند استيقاظه، فيكون لكل فعل عقدة يحلها. قلت: هذا البحث كله غير محتاج إليه، ولا مخالفة بين الروايات قطعًا ولا فيها شيء يوهم المخالفة، فإن البخاري، ومن وافقه، ممن أتى بلفظ الجمع عند الصلاة، قصد تمام انحلال العقد بانحلال الأخيرة منها، ومن عبر بالإفراد قصد انحلال الأخيرة، وبانحلالها يتم انحلال الثلاث، ولا دخل لكون الإنسان قاعدًا أو مضطجعًا في معنى الحديث، بل الحديثُ عبر بالنوم، فيشمل كل نائم على أي حالٍ كان، وبالله تعالى التوفيق.

وقوله: "طيب النفس" أي: لسروره بما وفقه الله له من الطاعة، وبما وعده من الثواب، وبما زال عنه من عقد الشيطان، كذا قال. والذي يظهر أن في صلاة الليل سرًا في طيب النفس، إن لم يستحضر المصلي شيئًا مما ذكر، وكذا عكسه، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} وقد استنبط بعضهم منه، أنَّ مَنْ فعل ذلك مرة ثم عاد إلى النوم، لا يعود إليه الشيطان بالعقد المذكررثانيًا، واستثنى بعضهم، ممن يقوم ويذكر ويتوضأ ويصلي، مَنْ لم ينهه ذلك عن الفحشاء، بل يفعل ذلك من غير أن يقلع، والذي يظهر فيه التفصيل بين مَنْ يفعل ذلك مع الندم والتوبة والعزم على الإقلاع، وبين المصرِّ.

وقوله: "وإلا أصبح خبيث النفس" أي: بتركه ما كان اعتاده، أو أراد من فعل الخير، كذا قيل. وفيه ما تقدم. وقوله: "كسلان" غير مصروف للوصف وزيادة الألف والنون، ومقتضى قوله: وإلا أصبح أنه إنْ لم يجمع الأمور الثلاثة، دخل تحت من يصبح خبيثًا كسلان، وإن أتى ببعضها، وهو كذلك، لكن يختلف ذلك بالقوة والخفة، فمن ذكر الله مثلًا كان في ذلك أخف ممن لم يذكر الله أصلًا، وفي حديث أبي سعيد المشارُ إليه عند قوله: "يضرب على مكان كل عقدة، فإن قام وصلّى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015