أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ.
قوله: "الشيطان" كأن المراد به الجنس، وفاعل ذلك هو القرين أو غيره، ويحتمل أن يراد به رأس الشياطين، وهو إبليس، وتجوز نسبة ذلك إليه لكونه الأمر به، الداعي إليه. ولذلك أورده المصنف في "باب صفة إبليس" من "بدء الخلق". وقوله: قافية رأس أحدكم، أي مؤخر عنقه. وقافية كل شيء مؤخره، ومنه قافية القصيدة، وفي "النهاية": القافية القفا، وقيل: موخر الرأس، وقيل وسطه. وظاهر قوله: "أحدكم" التعميم في المخاطبين، ومن في معناهم، ويمكن أن يخص منه من تقدم ذكره، ومن ورد في حقه أنه يحفظ من الشياطين، كالأنبياء، ومن تناوله قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} وكمن قرأ آية الكرسي، عند نومه، فقد ثبت أنه يُحفظ من الشيطان حتى يُصبح، فقد جاء في هذا الحديث عن أبي هريرة في الوكالة: "أن قارىء آية الكرسيّ عند نومه لا يقربه شيطان" وقد يظن أن بينهما معارضة، وليس كذلك؛ لأن العقد إن حمل على الأمر المعنوي، والقرب على الأمر الحسين، وكذا العكس، فلا إشكال، إذ لا يلزم من سحره إياه مثلًا، أن يماسَّه، كما لا يلزم من مماسته أن يقربه بسرقة أو أذىً في جسده ونحو ذلك، وإن حُملا على المعنويين، أو العكس، فيجاب بادعاء الخصوص في عموم أحدهما، والأقرب أن المخصوص حديث الباب، لما قال ابن عبد البر: إن الذم في الحديث يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيعها، أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة أو إلى النافلة بالليل، فغلبته عينه فنام، فقد ثبت أن الله يكتب له أجر صلاته، ونومه صدقة عليه. ويأتي في تفسير العقد.
وقوله: "إذا هو نام" كذا للأكثر، وللحمويَّ والمستملي: "إذا هو نائم" على وزن فاعل، والأول أصوب، وهو الذي في الموطأ. وقوله: "يضرب على مكان كل عقدة" كذا للمستملي، ولبعضهم بحذف "على" وللكشميهنيّ بلفظ: "عند مكان". وقوله: "يضرب" أي: بيده على العقدة، تأكيدًا أو إحكامًا لها، قائلاً ذلك. وقيل: معنى "يضرب" يحجب الحسّ عن النائم حتى لا يستيقظ، ومنه قوله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} أي: حجبنا الحس أن يلج في آذانهم فينتبهوا. وفي حديث أبي سعيد: "ما أحد ينام إلا ضرب على سماخه بجرير معقود". أخرجه المخلص في فوائده، والسِماخ بكسر السين المهملة وآخره معجمة، ويقال بالصاد المهملة بدل السين، والجرير، بفتح الجيم، الحبل. وعن سعيد بن منصور بسند جيد عن ابن عمر "ما أصبح رجل على غير وتر إلا أصبح على رأسه جرير قدر سبعين ذراعًا".
وقوله: "عليك ليل طويل"، كذا في جميع الطرق عن البخاري، بالرفع على الابتداء، أي: باق عليك طويل، أو بإضمار فعل، أي: بقي، وفي رواية أبي مصعب عن مالك في الموطأ "عليك ليلًا طويلًا" وهي رواية ابن عُيينة عن أبي الزِّناد عند مسلم. قال عِياض: رواية الأكثر عن مسلم بالنصب على الإغراء، وقال القرطبيّ: الرفع أولى من جهة المعنى؛ لأنه الأمكن في الفرور من حيث أن يخبره عن طول الليل، ثم يأمره بالرقاد، بقوله: "فارقد"، وإذا نصب على الإغراء لم يكن