أي: بالتحريك في رواية الأصيلي والكشميهنيّ السَحُور بفتح السين وضم الحاء ما يتسحر به ولا يكون إلا قبيل الصبح بقليل فلكل منها وجه والأول أوجه.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا.
قوله: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود" قال المهلب: كان داود عليه السلام يجم نفسه بنوم أول الليل، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله تعالى فيه: هل من سائل فأعطيه سؤله؟ ثم يستدرك بالنوم ما يستريح به من نصب القيام في بقية الليل، وهذا هو النوم عند السَحر كما ترجم به المصنف، وإنما صارت هذه الطريقة أحب من أجل الأخذ بالرفق للنفس، التي يخشى منها السآمة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا يمل حتى تملوا" والله يحب أن يديم فضله، ويوالي إحسانه، وإنما كان ذلك أرفق؛ لأن النوم بعد القيام يريح البدن، ويذهب خور السهر، وذبول الجسم، بخلاف السهر إلى الصبح.
وفيه من المصلحة أيضًا، استقبال صلاة الصبح، وأذكار النهار بنشاط وإقبال، وأنه أقرب إلى عدم الرياء؛ لأن مَنْ نام السدس الأخير أصبح ظاهر اللون سليم القوى، فهو أقرب إلى أن يخفى عمله الماضي على مَنْ يراه، أشار إلى هذا ابن دقيق العيد. قال ابن رشيد: الظاهر من سياق حديث عبد الله بن عمر مطابقة ما ترجم له، إلا أنه ليس نصًا فيه، فبينه بالحديث الثالث، وهو قول عائشة ما ألفاه السحر عندي إلا نائمًا.
قلت: انظر كيف التوفيق بين ما ترجم له البخاري من فضل النوم عند السَحر للقائم ليله، وما ذكر فيه من الأحاديث. وبين ما في القرآن من مدح الله تعالى للقائمين المستغفرين بالأسحار كقوله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} وقوله تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} فقد قال المفسرون: خصت الأسحار بالذكر لأنها وقت الغفلة ولذة النوم، وقالوا عند الآية الأخيرة، وفي بناء الفعل على الضمير، إشعارٌ بأنهم الأحقاء بالاستغفار دون غيرهم، لكمال خشيتهم، والسَحر