وممسكهما أن تزولا، وأصل قَيِّم قَيْوم على وزن فيْعِل مثل صَيِّب، وأصل القَيّوم القَيْوُوم، اجتمعت الياء والواو، وسبق إحداهما بالسكون، فوجب قلب الواو ياء، وأُدغمت الأولى في الثانية على القاعدة التصريفية.
وقوله: "أنت نور السموات والأرض" أي: منورهما، وبك يهتدي مَنْ فيهما. وقيل: المعنى أنت المنزه عن كل عيب. يقال: فلان مُنَوِّر أي مُبَرَّأ من كل عيب. ويقال: هو اسم مدح، تقول: فلان نور البلد، أي: مُزَيِّنُه. وقال أبو العالية: مُزَيّن السموات بالشمس والقمر والنجوم، ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء والأولياء.
وقوله: "أنت ملك السموات والأرض" كذا للأكثر، وللكشميهنيّ "لك ملك السموات" والأول أشبه بالسياق. وقوله: "أنت الحق" أي: المتحقق الوجود، الثابت بلا شك فيه، قال القرطبيّ: هذا الوصف، له سبحانه، بالحقيقة خاص، لا ينبغي لغيره، إذ وجوده لنفسه، فلم يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم، بخلاف غيره. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون معناه أنت الحق بالنسبة إلى مَنْ يدعي فيه أنه إله، أو بمعنى إنْ من سَمّاك إلهًا فقد قال الحق.
وقوله: "ووعدك الحق" الوعد يطلق، ويراد به الخير والشر كلاهما، والخير أو الشر خاصة. قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} وليس في وعد الله خُلْفٌ، فلا تخلف الميعاد، ويجزي الذين أساؤوا بما عملوا إلاَّ مَنْ تجاوز عنه، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وقيل في قوله: "إن الله وعدكم وعد الحق" أي وعد الجنة مَنْ أطاعه، ووعد النار مَنْ عصاه وكفر به، ويحتمل أن يريد أن وعده حق، بمعنى إثبات أنه قد وعد بالحق: بالبعثِ والحشرِ والثوابِ والعقابِ، إنكارًا لقول مَنْ أنكر وعده بذلك، وكذب الرسل فيما بلغوه من وعده ووعيده.
وقوله: "ولقاؤك حق" فيه الإقرار بالبعث بعد الموت، وهو عبارة من مآل الخلق في الدار الآخرة بالنسبة إلى الجزاء على الأعمال، وقيل: معنى "لقاؤكَ حق" أي: الموت، وأبطله النّوويّ. وقيل: رؤيتك في الدار الآخرة، حيث لا مانع. وقولك: "حق" أي: مدلوله ثابت، واللقاء وما ذكر بعده داخل تحت الوعد، لكن الوعد مصدر، وما ذكر بعده هو الموعود به، ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام، كما أن ذكر القول بعد الوعد من العام بعد الخاص.
وقوله: "والجنة حق، والنار حق" فيه إشارة إلى أنهما موجودتان، وقوله: "ومحمد -صلى الله عليه وسلم- حق" خصه بالذكر بعد تعريف النبيئين بلام الاستغراق الداخل هو فيه، تعظيمًا له، وعطفه عليهم إيذانًا بالتغاير وأنه فائق عليهم بأوصاف مختصة به، فإن تغير الوصف بمنزلة التغير في الذات، ثم حكم عليه استقلالًا بأنه حق وجرده عن ذاته كأنه غيّره، وأوجب عليه الإيمان به، وتصديقه، مبالغة في إثبات نبوّته، كما في التشهد.
وقوله: "والساعة حق" أي: يوم القيامة، وأصل الساعة القطعة من الزمان، ثم استعيرت للوقت