على ما فيها من الأذى، ولا مانع من أن يسأل عن حكم ما لم يعلمه، لاحتمال أن يحتاج إليه فيما بعد.
وقوله: "فإن لم يستطع فقاعدًا" استدل به مَنْ قال: لا ينتقل المريض إلى القعود إلاَّ بعد عدم القدرة على القيام. وقد حكاه عياض عن الشافعي ومالك وأحمد. وإسحاق لا يشترط العدم، بل وجود المشقة.
والمعروف عند الشافعية أن المراد بنفي الاستطاعة وجود المشقة الشديدة بالقيام، أو خوف زيادة مرض أو الهلاك، ولا يكتفي بأدنى مشقة.
قلت: مذهب المالكية: أن مشقة الصحيح غير معتبرة إمّا اتفاقًا كما عند الباجي أو على الصحيح كما عند غيره، وأما مشقة المريض، فمشهور مذهبهم فيها هو ما مرّ أنه هو المعروف عند الشافعية وروي عن ابن القاسم عدم اعتبارها أيضًا.
قال في "الفتح": ومن المشقة الشديدة دوران الرأس في حق راكب السفينة، وخوف الغرق لو صلّى قائمًا فيها، وهل يُعد في عدم الاستطاعة مَنْ كان كامنًا في الجهاد؟ ولو صلّى قائمًا لرآه العدو، فتجوز له الصلاة قاعدًا أو لا؟ فيه وجهان للشافعية، الأصح الجواز، لكن يقضي لكونه عذرًا نادرًا.
قلت: أما مذهب المالكية فلا يتردد في جوازه. ولا يجري فيه خلاف، واستدل به على تساوي عدم الاستطاعة في القيام والقعود في الانتقال خلافًا لمن فرق بينهما، كإمام الحرمين. ويدل للجمهور أيضًا حديث ابن عباس عند الطبراني بلفظ: يصلي قائمًا، فإن نالته مشقة فجالسًا، فإن نالته مشقة صلّى نائمًا، الحديث. فاعتبر في الحالين وجود المشقة، ولم يفرّق.
وقوله: "على جنب" في حديث علي عند الدارقطني على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه وفيه: إن حالة الاستلقاء على الظهر تكون عند العجز من حالة الاضطجاع، وعند المالكية الترتيب بين الأيمن ثم الأيسر ثم الظهر مندوب، وأمّا الاضطجاع على البطن فتأخيره واجب، فإن قدم على الظهر مع القدرة على الظهر بطلت، وإذا استلقى على ظهره تكون أخمصاه للقبلة، وتوضع وسادة تحت رأسه، حتى يكون شبه القاعد ليتمكن من الإيماء بالركوع والسجود إذْ حقيقة الاستلقاء تمنع الأصحاء من الإيماء، فكيف بالمرضى. وعند الحنفية المقدم عندهم الظهر، وعند ابن كاس منهم أنه يصلي على جنبه الأيمن كما هو قول الشافعي ومالك وأحمد مستدلين بحديث الدارقطني المار، وبأنه هو الحالة التي يوجه عليها الميت في اللحد، لقوله -عليه الصلاة والسلام- في أثناء حديث البيت الحرام: "قبلتكم أحياءً وأمواتًا".
وعند الشافعية يكره على الأيسر بلا عذر، كما في المجموع. وقالوا: إن الترتيب إنما هو في غير الكعبة، أما فيها فالمتجه جواز الاستلقاء على ظهره، وعلى وجهه؛ لأنه كيفما توجه متوجه لجزء منها، ويركع ويسجد بقدر إمكانه، فإن قدر على زيادة على أكمل الركوع، تعينت تلك الزيادة