باب يقصر إذا خرج من موضعه

يعني إذا قصد سفرًا تقصر في مثله الصلاة، وهي من المسائل المختلف فيها أيضًا. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن لمن يريد السفر أن يقصر إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي يخرج منها، واختلفوا فيما قبل الخروج عن البيوت، فذهب الجمهور إلى إنه لابد من مفارقة جميع البيوت، وذهب بعض الكوفيين إلى إنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين، ولو كان في منزله. ومنهم مَنْ قال: إذا ركب قبل أن يفارق البيوت قَصر إنْ شاء. وقال مجاهد إذا ابتدأ السفر بالنهار لا يقصر حتى يدخل الليل، وإذا ابتدأ السفر بالليل لا يقصر حتى يدخل النهار. قال ابن المنذر: ويرجح ما عليه الجمهور بأنهم اتفقوا على إنه يقصر، إذا فارق البيوت. واختلفوا فيما قبل ذلك، فعليه الإتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أنَّ له القصر. قال: ولا أعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- قصر في شيء من أسفاره، إلاَّ بعد خروجه عن المدينة.

وتقرير مذاهب الأربعة في ذلك هو أن المالكية يُشترط عندهم في ابتداء القصر أن يجاوز البلدي البلد والبساتين المسكونة المرتفقة بالعمران. وعن مالك إن كانت قرية جمعة، فمتى يجاوز ثلاثة أميال وأن يجاوز ساكن البادية حلته، وهي البيوت التي ينصبها من شعر، أو غيره. وأما الساكن بقرية لا بناء بها، ولا بساتين، فبمجرد الانفصال عنها.

وعند الشافعية يحصل ابتداؤه من بلد له سور بمفارقة سور البلد المختص به، وإن كان داخله مواضع خربة ومزارع؛ لأن جميع ما هو داخله من البلدة، فإن كان وراءه دور متلاصقة، صحح النووي عدم اشتراط مجاوزتها؛ لأنها لا تعد من البلد، فإن لم يكن له سور فمبدؤه مجاوزة العمران حتى لا يبقى بيت متصل، ولا منفصل، لا الخراب الذي لا عمارة وراءه، ولا البساتين والمزارع المتصلة، وإن كانت محوطة. وأول سفر ساكن الخيام كالأعراب، مجاوزة الحلة. وقالت الحنابلة: يقصر إذا فارق بيوت قريته العامرة، سواء كانت داخل السور أو خارجه، وسواء وَلِيَتها بيوت خاربة، أو البرية. لكن لو وَليتها بيوت خاربة، ثم بيوت عامرة، فلابد من مفارقة البيوت العامرة التي تلي الخاربة.

وعند الحنفية إذا فارق المسافر بيوت العصر يقصر، وفي "المبسوط" يقصر حين يخلف عمران العصر، وفي "الذخيرة": إن كانت لها محلة منتبذة من المصر، وكانت قبل ذلك متصلة بها فإنه لا يقصر ما لم يجاوزها، ويخلف دورها بخلاف القرية التي تكون بفناء المصر، فإنه يقصر وإن لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015