على إن أقل مسافة القصر ثلاثة أيام إشكال، ولاسيما على قاعدتهم من أن الاعتبار بما رأى الصحابي، لا بما روى، فلو كان الحديث عنده لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه، وقصر في مسيرة اليوم التام، وقد اختلف عن ابن عمر في تحديد ذلك اختلافًا غير ما ذكر، فروى عبد الرزاق أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه ما بين المدينة وخيبر، وبينهما ستة وتسعون ميلًا. وروى أيضًا عن مالك: أن ابن عمر سافر إلى ريم فقصر الصلاة. قال عبد الرزاق: وهي على ثلاثين ميلًا من المدينة. وروى وكيع عن ابن عمر أنه كان يقصر الصلاة من المدينة إلى السويداء، وبينهما اثنان وسبعون ميلًا. وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه قال: إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر. وقال الثوري: سمعت جبلة بن سجيم سمعت ابن عمر يقول: لو خرجت ميلًا قصرت الصلاة.
إسناد كل منهما صحيح وهذه أقوال متغايرة جدًا، وحكى النووي: إن أهل الظاهر ذهبوا إلى إن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال. وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم وأبو داود. عن أنس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ قصر الصلاة. وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله مَنْ خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر، لا غاية السفر. ولا يخفى بعد هذا العمل مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال: سألت أنسًا عن قصر الصلاة، وكنت أخرج إلى الكوفة، يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع. فقال أنس، فذكر الحديث فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر، لا عن الموضع الذي يبتدأ منه القصر، ويأتي ما قيل في ذلك في الباب الذي بعده. وروي عن ابن مسعود أربعة أميال. وفي "المصنف" عن أبي سعيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سافر فرسخًا قصر الصلاة. وفيه أيضًا عن النزال أن عليًا رضي الله تعالى عنه خرج إلى النخيلة فصلّى بها الظهر والعصر ركعتين، ثم رجع من يومه قال: أردت أن أعلمكم سنة نبيكم، وكان حذيفة يصلي ركعتين فيما بين الكوفة والمدائن. وعن عمر وابنه عبد الله وسويد بن غفلة ثلاثة أميال. وابن عباس مرّ محله في الذي قبله، ومرَّ ابن عمر أوّل الإيمان قبل ذكر حديث منه.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ".
قوله: "حدثكم عبيد الله" هو ابن عمر العمري، واستدل به على إنه لا يشترط في صحة التحمل قول الشيخ: نعم في جواب مَنْ قال له: حدّثكم فلان بكذا، وفيه نظر؛ لأن في مسند إسحاق في آخره، فأقر به أبو أسامة. وقال: نعم.
وقوله: "لا تسافر المرأة ثلاثة أيام" في رواية مسلم عن الضحاك بن عثمان عن نافع "ثلاث