والسبعين من الوضوء ومرّ عمر في الأول من بدء الوحي وعثمان في تعليق بعد الخامس من العلم. والحديث أخرجه مسلم والنسائي في الصلاة.
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قال: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- آمَنَ مَا كَانَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ.
قوله: "أنبأنا أبو إسحاق" كذا هو بلفظ: الإنباء. وهو في عرف المتقدمين بمعنى: الإخبار والتحديث. وهذا منه، وقد مرّ الكلام عليه مستوفى في أول كتاب العلم.
وقوله: "حارثة بن وهب" زاد البرقاني في مستخرجه رجلًا من خزاعة. أخرجه من طريق أبي الوليد شيخ البخاري فيه.
وقوله: "آمن" أفعل تفضيل من الأمن. وقوله: "ما كان" في رواية الكشميهني والحموي كانت أي: حالة كونها آمن أوقاته. وفي رواية مسلم: والناس أكثر مما كانوا. وله شاهد عن ابن عباس عند الترمذي وصححه النسائي بلفظ: خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلاَّ الله يصلّي ركعتين. قال الطيبي: ما مصدرية، ومعناه الجمع؛ لأن ما أضيفت إليه أفعل يكون جمعًا، والمعنى صلّى بنا والحال أنا أكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنًا. ويأتي في باب الصلاة بمنىً من كتاب الحج في رواية شعبة: ونحن أكثر ما كنا قط وآمنهِ، وكلمة قط: متعلقة بمحذوف تقديره: ونحن ما كنا أكثر منا في ذلك الوقت ولا أكثر أمنا وهذا يستدرك به على ابن مالك، حيث قال: استعمال قط غير مسبوقة بالنفي، قد يخفى على كثير من النحويين. وقد جاء في هذا الحديث بدون النفي. قاله في "الفتح".
قلت: لم يظهر لي في تقريره ما يوجب الرد على ابن مالك. وقوله: وآمنه بالرفع ويجوز الفتح بأن يكون فعلاً ماضيًا وفاعله الله وضمير المفعول للنبي -صلى الله عليه وسلم- والتقدير: وآمن الله نبيه حينئذ، ولا يخفى بعد هذا الإعراب. وفيه رد على مَنْ زعم أن القصر مختص بالخوف. والذي قال ذلك تمسك بقوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ولمْ يأخذ الجمهور بهذا المفهوم. فقيل: لأن شرط مفهوم المخالفة أن لا يكون خرج مخرج الغالب. وقيل: هو من الأشياء التي شرع الحكم فيها لسبب، ثم زال السبب وبقي الحكم كالرمل. وقيل: المراد بالقصر في الآية قصر الصلاة في الخوف إلى ركعة، وفيه نظر، لما رواه مسلم عن يعلي بن أُمية وله صحبة أنه سأل عمر عن قصر الصلاة في السفر، فقال: إنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" فهذا ظاهر في أن الصحابة فهموا من ذلك قصر الصلاة في السفر مطلقًا، لا قصرها في الخوف خاصة، وفي جواب عمر إشارة إلى القول الثاني.