ومنهم عطاء والثوري والزهري والكوفيون وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وأبو ثور: لا يقصر الصلاة أهل مكة بمنى وعرفات؛ لانتفاء مسافة القصر.
وقال الطحاوي ليس الحج موجبًا للقصر؛ لأن أهل مني وعرفات إذا كانوا حجاجًا أتموا، وليس هو متعلقًا بالموضع وإنما هو متعلق بالسفر، وأهل مكة مقيمون لا يقصرون، ولمّا كان المقيم لا يقصر لو خرج إلى مني كذلك الحاج.
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّهَا.
مطابقته للترجمة من حيث أنه يبين الإطلاق الذي فيها، فإن الإطلاق فيها يتناول الصلاة ركعتين، ويتناولها أربعًا، فصارت المطابقة من جهة التفصيل بعد الإجمال، أو من جهة التقييد بعد الإطلاق، ولكن حكم المسألة كما ينبغي لا يفهم منه، وهو أن المقيم بمنىً هل يتم أو يقصر؟ فلذلك لم يذكر حكمها في الترجمة. وقد بيناه بيانًا شافيًا فيما مرّ قريبًا.
قوله: "صدرًا" أي: أول خلافته، وهي ست سنين أو ثمان سنين على خلاف فيه. وقوله: "من إمارته" بكسر الهمزة أي: خلافته. وقوله: "ثم أتمها" أي: بعد ذلك. وفي رواية أبي أسامة عن عبيد الله عند مسلم ثم إن عثمان صلّى أربعًا، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام أتمّ، وإذا صلَّى وحده صلّى ركعتين.
وفي رواية لمسلم عن ابن عمر قال: صلّى النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنىً صلاة السفر وأبو بكر وعمر وعثمان ثمان سنين أو ست سنين. واختلف العلماء في السبب في إتمام عثمان بمنىً فقيل: إنما أتم لكونه تأهل بمكة. فقد أخرج أحمد والبيهقي عن عثمان أنه لمّا صلّى بمنىً أربع ركعات أنكر الناس عليه فقال: إني تأهلت بمكة لما قدمت وإني سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ تأَهّل ببَلدة فإنه يُصلي صلاةَ مُقيم" وهذا الحديث لا يصح؛ لأنه منقطع. وفي رواته مَنْ لا يحتج به. ويردُّه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسافر بزوجاته ويقصر.
قلت: هذا لا رد فيه؛ لأن زوجاته -عليه الصلاة والسلام- كُنَّ مسافرات معه، والتي تزوجها عثمان كانت مقيمة بمكة، فجرت له الإقامة تبعًا، ولكن يرده ما يأتي عن البخاري في باب يقصر إذا خرج من موضعه من قول عروة أن عائشة تأولت ما تأول عثمان، ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلًا، فدل على وهن ذلك الخبر، وقيل: لأنه أمير المؤمنين. وكل موضع له دار. وهذا مردود بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أولى منه بذلك. وقيل: لأنه عزم على الإقامة بمكة، كما رواه عبد الرزاق عن الزهري