قال ابن بطال: أجمعوا على أنَّ القارىء إذا سجد لزم المستمع أن يسجد، لكن ذلك مشروط عند كثير من العلماء بقصد الاستماع كما مرّ. وفي الترجمة إشارة إلى أن القارىء إذا لم يسجد لم يسجد السامع، وقد مرَّ ما في هذا مستوفى. ثم قال: وقال ابن مسعود لتميم بن حذلم وهو غلام فقرأ عليه سجدة فقال: اسجد فإنك إمامنا فيها. قوله: "إمامنا" زاد الحموي فيها، ولفظ تميم بن حذلم قرأت القرآن على عبد الله وأنا غلام فمررت بسجدة فقال عبد الله: أنت إمامنا فيها. وقد رُوي مرفوعًا أخرجه ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم: أن غلامًا قرأ عند النبي -صلى الله عليه وسلم- السجدة فانتظر الغلام النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يسجد، فلما لم يسجد قال: يا رسول الله أليس في هذه السجدة سجود؟ قال: "بلى ولكنك كنت إمامنا فيها ولو سجدت لسجدنا". رجاله ثقات، إلاَّ أنه مرسل.
وقد روي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: بلغني. فذكر نحوه أخرجه البيهقي عنه، وجوز الشافعي أن يكون القارىء المذكور هو زيد بن ثابت؛ لأنه يحكي أنه قرأ عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يسجد، ولأن عطاء بن يسار روى الحديثين المذكورين. قلت: هذه الأحاديث فيها دلالة لقول مَنْ قال إن السامع لا يسجد إلاَّ إذا سجد القارىء كما مرّ عند حديث زيد بن ثابت مستوفي. وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور، وابن مسعود مرَّ في الأثر الأول من الإيمان. وتميم هو ابن حذلم الضبي أبو سلمة الكوفي من أصحاب ابن مسعود، وأدرك أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما. ذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال: قد قيل أن كنيته أبو حذلم، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. علق له البخاري هذا الأثر لا غير. روى عنه إبراهيم النخعي وسماك بن سلمة الضبي، وابنه أبو الخير وغيرهم.
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ.
قوله: "فيها السجدة" زاد علي بن مسهر في روايته ونحن معه، وقوله: "فيسجد ونسجد" زاد الكشميهني معه. وقوله: "موضع جبهته" أي: من الازدحام. كما بيَّن في الحديث الذي بعده،