قال ابن التين: روينا قوله: "نَجَس" بفتح النون والجيم، ويجوز كسرها، وقال الفراء: تسكن الجيم إذا ذكرت اتباعًا في قوله: "رجس نجس" ثم قال: وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء، كذا للأكثر، وفي رواية الأصيلي بحذف غير، وإثباتها أولى لما رواه ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: كان بن عمر ينزل عن راحلته فيهريق الماء، ثم يركب. فيقرأ السجدة ثم يسجد وما يتوضأ. وأما ما رواه البيهقي بإسناد صحيح: من نافع عن ابن عمر قال: لا يسجد الرجل إلاَّ هو طاهر، فيجمع بينه وين الأول بأنه أراد بقوله: "طاهر" الطهارة "الكبرى" أو الثاني على حالة الاختيار، والأول على الضرورة، ولم يوافق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي. أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح، وأخرج أيضًا بسند حسن عن أبي عبد الرحمن السُلمي قال: كان يقرأ السجدة، وهو على غير وضوء، وعلى غير القبلة وهو يمشي يومىء برأسه إيماءً. ثم يسلّم. وإلى هذا ذهب ابن حزم فقال: إنها تسجد للقبلة، ولغير القبلة، وعلى طهارة وعلى غير طهارة.
وقد اعترض ابن بطال على هذه الترجمة بأن البخاري إن أراد الإحتجاج لابن عمر بسجود المشركين، فلا حجة له فيه؛ لأن سجودهم لم يكن على وجه العبادة، وإنما كان لما يلقى الشيطان إلى آخر كلامه. قال: وإن أراد الرد على ابن عمر بقوله: "والمشرك نجس" فهو أشبه بالصواب وأجاب ابن رشيد بأن مقصود البخاري تأكيد مشروعية السجود بأن المشرك قد أقر على السجود، وسمّى الصحابي فعله سجودًا، مع عدم أهليته، فالمتأهل لذلك أحرى أن يسجد على كل حالة، ويؤيده أن في حديث ابن مسعود أن الذي ما سجد عوقب بأن قتل كافرًا، فلعل من وفق للسجود يومئذٍ ختم له بالحسن فأسلم لبركة السجود، وفيما قاله نظر؛ لأن تركهم على سجودهم، لا يُسمّى تقريرًا؛ لأنهم كفار، وفي ذلك الوقت النبي -صلى الله عليه وسلم- لا طاعة له عليهم، حتى يكون مقررًا، وتسمية الصحابي فعلهم سجودًا إنما هو بالنظر إلى الصورة مع علمه بأن سجودهم كلا سجود؛ لأن الطاعة متوقفة على الإيمان.
وقوله: "ولعل جميع من سجد وفق" إلخ ظن وتخمين، فلا ينبني عليه حكم، ويحتمل أن يجمع بين الترجمة، واثر ابن عمر بأنه يبعد في العادة بأن يكون جميع مَنْ حضر من المسلمين كانوا عند قراءة الآية على وضوء؛ لأنهم لم يتأهبوا لذلك، وإذا كان كذلك فمن بادر منهم إلى السجود خوف الفوات بلا وضوء. وأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك على جواز السجود بلا وضوء عند وجود المشقة