ينوب عن السجود، فإن شاء المصلي ركع بها، وإن شاء سجد. ثم طرده في جميع سجدات التلاوة. وبه قال ابن مسعود. وعندنا معاشر المالكية لا ينوب عنها ركوع لا في الصلاة ولا خارجها، وإن كان في الصلاة وتركها وقصد الركوع، صح ركوعه، وكره فعله. وإن قصد تأديتها بالركوع ففي بطلان صلاته قولان، وسجدة "ص" عند المالكية والحنفية من العزائم، وعند الشافعي ليست من العزائم، وإنما هي سجدة شكر تستحب في غير الصلاة، وتحرم فيها على الأصح؛ لأن سجود الشكر لا يشرع داخل الصلاة فإن سجد فيها عمدًا عالمًا بتحريمها بطلت صلاته بخلاف فعلها سهوًا أو جهلًا للعذر لكنه يسجد للسهو، ولو سجدها إمامه باعتقادٍ منه، كحنفي لم يتبعه بل يفارقه أو ينتظره قائمًا، وإذا انتظره لا يسجد للسهو على الأصح؛ لأن المأموم لا سجود لسهوه، أي: لا سجود عليه في فعلٍ يقتضي سجود السهو؛ لأن الإِمام يتحمله عنه، فلا يسجد لانتظاره، ووجه السجود أنه يعتقد أن إمامه زاد في صلاته جاهلًا، وأن السجود توجه عليها، فإذا لم يسجد الإِمام سجد المأموم. قاله القسطلاني. وعن أحمد كالمذهبين والمشهور منهما كقول الشافعي، وقال الزهري: كنت لا أسجد في "ص" حتى حدّثني السائب أن عثمان سجد فيها، وعن سعيد بن جبير أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يسجد في "ص"، وعن أبي الدرداء سجدت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في "ص"، وعن عقبة بن عامر فيها السجود. وسجد فيها الحسن والنعمان بن بشير ومسروق، وكونها توبة لا ينافي كونها عزيمة، وسجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرًا لما أنعم الله على داود -عليه السلام- بالغفران والوعد بالزلفى وحسن المآب. وهذه نعمة عظيمة في حقنا فكانت سجدة تلاوة؛ لأن سجدة التلاوة ما كان سببها التلاوة، وسبب هذه السجدة تلاوة هذه الآية التي فيها الإخبار عن هذه النِعَمْ على داود -عليه السلام- وإطماعنا في نيل مثله.
قد مرّوا، مرّ سليمان بن حرب في الرابع عشر من الإيمان، وأبو النعمان في الحادي والخمسين منه، وحمّاد بن زيد في الرابع والعشرين منه، وأيوب في التاسع منه، وعكرمة في السابع عشر من العلم، وابن عباس في الخامس من بدء الوحي.
فيه التحديث بالجمع والعنعنة والقول. أخرجه البخاري أيضًا في أحاديث الأنبياء، وأبو داود، والترمذي في الصلاة، والنسائي في التفسير. ثم قال المصنف: