عن أبي إسحاق أيضًا أول سورة تلاها على المشركين فذكره، فيجمع بين الروايات الثلاث بأن المراد أول سورة فيها سجدة تلاها جهرًا على المشركين.

قوله: "وسجد مَنْ معه" في الرواية الآتية في الباب الثالث عن ابن عباس وسجد مَعَه المسلمون والجن والإنس. كان ابن عباس إِسْتَنَد في ذلك إلى إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- إمّا مشافهة له وإما بواسطة؛ لأنه لم يحضر القصة لصغره، وأيضًا فهو من الأمور التي لا يمكن أن يطلع عليها الإنسان إلا بتوقيف، وتجويز أنه كشف له عن ذلك بعيد؛ لأنه لم يحضرها قطعًا، وإنما أعاد العين والإنس مع دخولهم في المسلمين والمشركين، لنفي توهم اختصاص ذلك بالإنس.

قال الكرماني: سجد المشركون مع المسلمين لأنها أول سجدة نزلت فأرادوا معارضة المسلمين بالسجود لمعبودهم أو وقع ذلك منهم بلا قصد أو خافوا في ذلك المجلس من مخالفتهم، والاحتمالات الثلاثة فيها نظر، والأول منها لعياض، والثاني يخالفه ابن مسعود، حيث زاد فيه أن الذي استثناه منهم أخذ كفًا من حصى، فوضع جبهته عليه. فإن ذلك ظاهر في القصد، والثالث أبعد إذ المسلمون حينئذ هم الذين كانوا خائفين من المشركين، لا العكس قال: وما قيل من أن ذلك كان بسبب إلقاء الشيطان في قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا صحة له نقلًا ولا عقلًا. ويأتي إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الحج تحرير الكلام على هذه المسألة إنْ شاء الله تعالى الحياة إلى ذلك المحل والتوفيق لإتمام الكتاب والقدرة عليه.

رجاله ستة:

قد مرّوا، مرّ محمد بن بشار في الحادي عشر من العلم، ومرّ غندر في الخامس والعشرين من الإيمان، ومرَّ شعبة في الثالث منه، ومرَّ أبو إسحاق في الثالث والثلاثين منه، ومرّ ابن مسعود في أوله قبل ذكر حديث منه في أول أثر، ومرّ الأسود بن يزيد في السابع والستين من العلم. وفي الحديث لفظ غير شيخ أخذ كفًا واختلف في ذلك الشيخ، فالصحيح أنه أمية بن خلف، وقيل الوليد بن المغيرة، وفيه نظر؛ لأنه لم يقتل ببدر. وقيل عتبة بن ربيعة، وقيل أبو أحيحة سعيد بن العاص، وقيل المطلب بن أبي وداعة، ولعله زائد على الرجل الذي لم يسجد وقتل كافرًا، ويرشد له قول البخاري في بعض رواياته إلا رجلين، وكل هؤلاء المذكورين ماتوا كفارًا فلا يعرَّفون، إلاَّ المطلب بن أبي وداعة، وها أنا أعرفه فأقول: هو ابن أبي وداعة الحارث بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم القرشي السهمي. ذكره ابن سعد في مسلمة "الفتح". وقال الواقدي: نزل المدينة وله بها دار، وبقي دهرًا وقال ابن الكلبي: كان لدة النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقال أبو عبيدة: له صحبة، وفي مغازي ابن إسحاق أن أبا وداعة أُسر يوم بدر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنَّ له ابنًا كيسًا تاجرًا ذا مال كأنكم به قد جاء في فداء أبيه"، فكان كذلك. أخرج البغوي وابن شاهين عن جعفر بن المطلب بن أبي وداعة عن أبيه سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بمكة "والنجم" يعني فسجدها فيها. قال: وأنا يومئذٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015