فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ". قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "بِكُفْرِهِنَّ". قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: "يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ".
كذا في الموطأ، وجميع من أخرجه عن مالك عن ابن عباس. وفي رواية اللؤلؤي في سنن "أبي داود" عن أبي هريرة بدل ابن عباس، وهو غلط.
وقوله: "ثم سجد" أي: سجدتين. وقوله: "ثم قام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول" فيه أن الركعات الثانية أقصر من الأولى، وسيأتي ذلك في باب مفرد. وقوله: "قالوا يا رسول الله" في حديث جابر عند أحمد بإسناد حسن. فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب شيئًا صنعته في الصلاة لم تكن تصنعه، فذكر نحو حديث ابن عباس. إلاَّ أن في حديث جابر أن ذلك كان في الظهر أو العصر، فإن كان محفوظًا فهي قصة أخرى، ولعلها القصة التي حكاها أنس، وذكر أنها وقعت في صلاة الظهر. وقد تقدم سياقه في باب وقت الظهر إذا زالت الشمس، من كتاب: "المواقيت"، لكن فيه: "عُرضت عليَّ الجنة والنار في عرض هذا الحائط حسب". وأمّا حديث جابر، فهو شبيه بسياق ابن عباس في ذكر العنقود وذكر النساء، وقوله: "رأيناك تناولت" كذا للأكثر بصيغة الماضي.
وفي رواية الكشميهني، تناول بصيغة المضارع بضم اللام، وبحذف إحدى التاءين، وأصله: تتناول. وقوله: "ثم رأيناك كعكعت" في رواية الكشميهني: "تكعكعت" بزيادة تاء في أوله. ومعناه: تأخرت. يقال كع الرجل إذا نكص على عقبيه. قال الخطابي: أصله "تكعَّعت": فاستثقلوا اجتماع ثلاث عينات، فأبدلوا من أحدهما حرفًا مكررًا. وفي رواية مسلم: "ثم رأيناك كففت" بفاءَيْن خفيفتين.
وقوله: "فلم أر منظرًا كاليوم قط أفظع" المراد باليوم: الوقت الذي هو فيه أي: لم أر منظرًا مثل منظر رأيته اليوم، فحذف المرئي، وأدخل التشبيه على اليوم؛ لبشاعة ما رأى فيه، وبُعده عن المنظر المألوف. وقيل الكاف اسم، والتقدير ما رأيت مثل منظر هذا اليوم منظرًا.
وفي رواية المستملي والحموي: "فلم انظر كاليوم قط أفظع". وقوله: "قال يكفرن العشير" كذا للجمهور عن مالك بدون واو. وفي موطأ يحيى بن يحيى الأندلسي قال: "ويكفرن العشير" بزيادة واو، واتفقوا على أن زيادة الواو غلط منه. فإن المراد من تغليطه كونه خالف غيره من الرواة فهو كذلك، وأطلق على الشذوذ غلطًا. وإن كان المراد من تغليطه فساد المعنى، فليس كذلك؛ لأن الجواب طابق السؤال وزاد، وذلك أنه أطلق لفظ النساء، فعمّم المؤمنة منهنّ والكافرة.
فلما قيل: يكفرن بالله؟ أجاب: "ويكفرن العشير إلخ" وكأنه قال: نعم يقع منهن الكفر بالله وغيره؛ لأن منهن مَنْ يكفر بالله، ومنهن مَنْ يكفر الإحسان.