يصلي فلا يكون نصًا في أنه كان على وضوء.
ومباحث هذا الحديث مرت مستوفاة عند حديث أسماء في باب بعد باب ما يقال بعد التكبير من أبواب صفة الصلاة، ولم يبق منها إلا من قوله: "والله ما من أحد ... إلخ". وقوله: "والله ما من أحدٍ" فيه القسم لتأكيد الخبر. وإن كان السامع غير شاك فيه، وقوله: "أغير" بالنصب على أنه الخبر، وعلى إن من زائدة، ويجوز فيه الرفع على لغة تميم، أو أغير مخفوض صفةً لأحد، والخبر محذوف تقديره موجود، وأغير أفعل تفضيل من الغَيرة بفتح الغين المعجمة، وهي في اللغة تغير يحصل من الحمية والأنفة وأصلها في الزوجين والأهلين، وكل ذلك محال على الله تعالى؛ لأنه منزه عن كل تغير ونقص فيتعين حمله على المجاز فقيل لمّا كانت ثمرة المغيرة صون الحريم ومنعهم وزجر من يقصد إليهم أطلق عليه ذلك لكونه منع من فعل ذلك، وزجر فاعله وتوعده، فهو من باب تسمية الشيء بما يترتب عليه.
وقال ابن فورك: المعنى ما أكثر زجرًا عن الفواحش من الله تعالى لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وقال ابن دقيق العيد: أهل التنزيه في هذا على قولين: إما ساكت وإما مؤول على أن المراد بالغيرة شدة المنع والحماية، فهو من مجاز الملازمة وقال الطيبي وغيره: وجه اتصال هذا المعنى بما قبله من قوله: "فاذكروا الله .. إلخ" أي: من جهة أنهم لما أُمروا باستدفاع البلاء بالذكر والدعاء والصلاة والصدقة ناسب ردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء، وخص منها الزنى لأنه أعظمها في ذلك. وقيل: لما كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي وأشدها تأثيرًا في إثارة النفوس وغلبة الغضب ناسب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مواخذة رب المغيرة وخالقها سبحانه وتعالى.
وقوله: "يا أمة محمد" فيه معنى الإشفاق كما يخاطب الوالد ولده إذا أشفق عليه بقوله: يا بني كذا. قيل: وكان قضية ذلك أن يقول يا أمتي لكن لعدوله عن المضمر إلى المظهر حكمة، وكأنها بسبب كون المقام مقام تحذير وتخويف لما في الإضافة من الاشعار بالتكريم، ومثله: "يا فاطمة بنت محمد لا أُغني عنك من الله شيئًا" الحديث، وصدر -صلى الله عليه وسلم- كلامه باليمين لإرادة التأكيد للخبر وإن كان لا يرتاب في صدقه. ولعل تخصيص العبد والأمة بالذكر، رعاية الأدب مع الله تعالى لتنزهه عن الزوجة والأهل ممن تتعلق بهم المغيرة غالبًا، ويؤخذ من قوله: "يا أمة محمد" إن الواعظ ينبغي له حال وعظه أن لا يأتي بكلام فيه تفخيم لنفسه، بل يبالغ في التواضع لأنه أقرب إلى انتفاع مَنْ يسمعه.
وقوله: "لو تعلمون ما أعلم" أي: من عظيم قدرة الله تعالى وانتقامه من أهل الإجرام، وقيل: