قوله: "تمطَّر" بتشديد الطاء، أي: تعرض لوقوع المطر عليه، وتَفَعَّل يأتي لمعانٍ أليقها هنا أنه بمعنى: مواصلة العمل في مهلة نحو: تفكَّر، ولعلَّه أشار إلى ما أخرجه مسلم عن أنس قال: حَسَرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه المطر وقال: "إنه حديث عهد بربه" أي: قريب العهد بتكوين ربه، وكأن المصنف أراد أنْ يبين أنَّ تحادر المطر على لحيته -عليه الصلاة والسلام- لم يكن اتفاقًا، وإنما كان قصدًا، ولذلك ترجم بقوله: مَنْ تمطَّر أي: قصد نزول المطر عليه؛ لأنه لو لم يكن باختياره لنزل عن المنبر أول ما وكف السقف، لكنه تمادى في خطبته، حتى كثر نزوله بحيث تحادر على لحيته -صلى الله عليه وسلم-.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا. قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ، وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، قَالَ فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ، قَالَ فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَفِى الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا. قَالَ فَمَا جَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلاَّ تَفَرَّجَتْ حَتَّى صَارَتِ الْمَدِينَةُ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ، حَتَّى سَالَ الْوَادِي وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا. قَالَ فَلَمْ يَجِيءُ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجَوْدِ.
هذا الحديث قد مرّ استيفاء الكلام عليه غاية في "باب الاستسقاء" في الخطبة يوم الجمعة، من كتاب الجمعة.