صفة عين فاستحال عندهم أن يتصف فعل بالحسن في حق زيد وبالقبح في حق عمرو، كما يستحيل ذلك في الألوان وغيرها من الصفات القائمة بالذوات.
وأما ما عدا هاتين الطائفتين، فليس الحظر عندهم والإباحة بصفات أعيان، وإنما هي صفات أحكام كما مرّ، والمشهور أن الجمهور ذهبوا إلى أن المصيب في القطعيات واحد، وخالف الجاحظ والعنبري.
وأما ما لا قطع فيه فقال الجمهور أيضًا: المصيب واحد، وقد ذكر ذلك الشافعي وقرره، ونقل عن الأشعري أن كل مجتهد مصيب وأن حكم الله تعالى تابع لظن المجتهد، وقال بعض الحنفية وبعض الشافعية: هو مصيب باجتهاده وإن لم يصب ما في نفس الأمر فهو مخطىء وله أجر واحد، وقد أشبعنا الكلام على هذه المسألة في كتابنا "قمع أهل الزيغ والإلحاد".
وقد قيل إن الاستدلال بهذه القصة أن كل مجتهد مصيب على الإطلاق ليس بواضح، وإنما فيه ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد فيستفاد منه عدم تأثيمه. وحاصل ما وقع في القصة أن بعض الصحابة حملوا النهي على حقيقته ولم يبالوا بخروج الوقت ترجيحًا للنهي الثاني على النهي الأول وهو ترك تأخير الصلاة عن وقتها، واستدلوا بجواز التأخير لمن اشتغل بأمر الحرب بنظير ما وقع في تلك الأيام بالخندق، فقد تقدم حديث جابر المصرح بأنهم صلّوا العصر بعدما غربت الشمس وذلك لشغلهم بأمر الحرب، فجوّزوا أن يكون ذلك عامًّا في كل شغل يتعلق بأمر الحرب ولاسيما والزمان زمان التشريع.
والبعض الآخر حملوا النهي على غير الحقيقة، وأنه كناية عن الحث والاستعجال والإسراع إلى بني قريظة.
وقد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يعنف أحدًا من الطائفتين، فلو كان هناك إثم لعنف من أثم.
واستدل به على جواز الصلاة على الدواب في شدة الخوف، وفيه نظر لما مرَّ عند احتجاج الوليد السابق من أن الحديث لا يدل على أنهم صلوا ركبانًا؛ ولذا قال العلماء: إن ابن المنير أغرب حيث قال إن الطائفة الذين صلوا العصر لما أدركتهم في الطريق إنما صلوها وهم على الدواب، واستند إلى أن النزول إلى الصلاة ينافي مقصود الإسراع في الوصول، قال: فإن الذين لم يصلّوا عملوا بالدليل الخاص وهو الأمر بالإسراع، فترك عموم إيقاع العصر في وقتها إلى أن فات، والذين صلوا جمعوا بين دليلي وجوب الصلاة ووجوب الإسراع فصلوا ركبانًا؛ لأنهم لو صلوا نزولًا لكان مضادة لما أمروا به من الإسراع، ولا يظن ذلك بهم مع ثقوب إفهامهم، وفيه نظر؛ لأنه لم يصرح لهم بترك النزول فلعلهم فهموا أن المراد بأمرهم أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة المبالغة في الأمر بالإسراع فبادروا إلى امتثال أمره، وخصوا وقت الصلاة من ذلك لما تقرر عندهم من تأكيد أمرها،