قالت: دخل عليها عبد الرحمن بن عوف فقال: يا أمه، قد خشيت أن يهلكني كثرة مالي أنا أكثر قريش كلهم مالًا، قالت يا بني: تصدق، فإني سمعت رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول إن مِنْ أصحابي من لا يلقاني بعد أن أفارقَهُ. فلقي عمر فأخبره بما قالت أم سلمة، فجاء عمر فدخل عليها فقال: بالله منهم أنا؟ قالت: لا ولن أبرىء أحدًا بعدك. ولما حضرته الوفاة بكى بكاء شديدًا فسئل عن بكائه فقال: إن مصعب بن عمير كان خيرًا مني توفي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يكن له ما يكفن به، وأن حمزة بن عبد المطلب كان خيرًا مني لم نجد له كفنًا، وإني أخشى أن أكون ممن عجلت له طيباته في حياته الدنيا، وأخاف أن أحبس عن أصحابي بكثرة المال".
وكان عبد الرحمن أبيض أعين أهدب أقنى طويل النابين الأعليين، له جمة، ضخم الكفين غليظ الأصابع رقيق البشرة، حسن الوجه لا يغير لحيته ولا رأسه، جرح في رجله يوم (أُحد) فكان أعرج.
روى قبيصة عن جابر قال: دخلت على عمر وعلى يمينه رجل كأنه قُلْب فضة وهو عبد الرحمن بن عوف. له نحو عشرين ولدًا بين ذكر وأنثى.
مات سنة اثنتين وثلاثين وقيل سنة ثلاث، وعاش اثنين وسبعين سنة أو خمسًا أو ثمانيًا، ودفن بالبقيع، وصلّى عليه عثمان، وقيل الزبير بن العوام خلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ترعى بالبقيع وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحًا، فكان يدخر من ذلك قوت أهله سنة صولحت امرأته التي طلقها في مرضه عن ثلث الثمن أو ربعه بثلاثة وثمانين ألفًا. وأوصى لنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- بحديقة قومت بأربعمائة ألف.
له خمسة وستون حديثًا اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بخمسة.
الثالث: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى العدوي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأمه فاطمة بنت بعجة بن مليح الحزاعية، كان من السابقين إلى الإِسلام، أسلم قبل دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- (دار الأرقم) وهاجر، وشهد (أُحدًا) وما بعدها من المشاهد، ولم يشهد بدرًا؛ لأنه كان غائبًا بالشام. وضرب له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسهمه وأجره في أهل بدر.
وقال الواقدي "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد بعث قبل أن يخرج من المدينة إلى بدر طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى طريق الشام يتجسسان الأخبار، ثم رجعا إلى المدينة فقدماها يوم وقعة بدر، فضرب لهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسهميهما وأجرهما". وقيل إنه شهد بدرًا. كان إسلامه قديمًا قبل عمر، وكان إسلام عمر عنده في بيته؛ لأنه زوج فاطمة. قال سعيد بن حبيب كان مقام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد وسعيد والزبير وعبد الرحمن بن عوف مع النبي -صلى الله عليه وسلم- واحدًا كان أمامه في القتال وخلفه في الصلاة أخرجه البخاري ومسلم.
وقصته مع أروى بنت أنيس إجابة دعائه مشهورة، وذلك أنها قالت: إنه ظلمها وبنى ضفيرة