التعيين هل تستوعب الوقت أو تبهم فيه؟ وعلى الإبهام ما ابتداؤه وما انتهاؤه؟ وعلى كل ذلك، هل تستمر أو تنتقل؟ وعلى الانتقال، هل تستغرق اليوم أو بعضه؟ وها أنا أذكر ما روى فيها من الأقوال مع أدلتها والجمع بينهما والترجيح.
الأول أنها رفعت حكاه ابن عبد البر عن قوم وزيفه. وقال عياض: رده السلف على قائله.
وروى عبد الرزاق عن عبد الله بن نخس مولى معاوية قال: "قلت لأبي هريرة: إنهم زعموا أن الساعة التي في يوم الجمعة يستجاب فيها الدعاء رفعت، فقال كذب من قال ذلك، فقلت: هي في كل جمعة؟ قال: نعم"، إسناده قوي قال: صاحب "الهدى": إن أراد قائله إنها كانت معلومة فرفع علمها عن الأمة فصارت مبهمة، احتمل، وإن أراد حقيقتها فهو مردود على قائله.
قلت: هذا الاحتمال بعيد لا فائدة فيه؛ لأن الكلام في رفعها من أصلها والذي قاله راجع إلى كونها مبهمة.
القول الثاني: إنها موجودة لكن في جمعة واحدة من كل سنة قاله كعب الأحبار لأبي هريرة، ورده عليه فرجع لما راجع التوراة إليه رواه مالك وأصحاب "السنن".
الثالث: إنها مخفية في جميع اليوم كما أخفيت ليلة القدر في العشر، والاسم الأعظم، والرجل الصالح حتى تتوفر الدواعي على مراقبة ذلك اليوم، وقد روي "أنّ لربِّكم في أيام دهرِكم نفحات، ألا فتعرضوا لها" ويوم الجمعة من جملة تلك الأيام فينبغي أن يكون العبد في جميع نهَاره متعرضًا لها بإحضار القلب وملازمة الذكر والدعاء والنزوع عن وساوس الدنيا، فعساه يحظى بشيء من تلك النفحات.
روى ابن خزيمة والحاكم عن أبي سلمة سألت أبا سعيد عن ساعة الجمعة فقال: سألتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: قد أُعْلِمْتُها ثم أُنْسِيتها لما أُنْسِيتُ ليلةَ القدر".
وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري فقال: لم أسمع فيها بشيء إلا أن كعبًا كان يقول: إن إنسانًا قسم جمعة في جمع لأتى على تلك الساعة.
قال ابن المنذر معناه أنه يبدأ فيدعو في جمعة من أول النهار إلى وقت معلوم، ثم في جمعة أخرى يبتدىء من ذلك الوقت إلى وقت آخر حتى يأتي على آخر النهار. قال: وروينا عن ابن عمر أنه قال: "إن طلب الحاجة في يوم ليسير" قال معناه إنه ينبغي المداومة على الدعاء يوم الجمعة كله ليمر بالوقت الذي يستجاب فيه الدعاء، والذي قاله ابن عمر يصلح لمن يقوى عليه، وإلا فالذي قاله كعب سهل على كل أحد وقضية ذلك أنهما كانا يريان أنها غير معينة، وهو قضية كلام جمع من العلماء كالرافعي وصاحب "المغني" وغيرهما حيث قالوا: يستحب أن يكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء أن يصادف ساعة الإجابة، ومن حجة هذا القول تشبيهها بليلة القدر والاسم الأعظم في الأسماء الحسنى، والحكمة في ذلك بعث العباد على الاجتهاد في الطلب واستيعاب الوقت