ذلك أن حال القيام في الصلاة غير حال السجود والركوع والتشهد مع أن السجود مظنة إجابة الدعاء، فلو كان المراد بالقيام حقيقته لأخرجه فدل على أن المراد فجاز القيام وهو المواظبة ونحوها، ومنه قوله تعالى {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} فعلى هذا يكون التعبير عن المصلي بالقائم من باب التعبير عن الكل بالجزء.
والنكتة فيه أنه أشهر أحوال الصلاة، واختلف السلف في أي القولين المذكورين أرجح فروى البيهقي أن مسلمًا قال: حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه، وبذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة، وقال القرطبي: هو نص في موضع الخلاف، فلا يلتفت إلى غيره. وقال النووي "هو الصحيح وجزم في "الروضة" بأنه الصواب، ورجحه أيضًا بكونه مرفوعًا صريحًا، وفي أحد "الصحيحين".
وذهب آخرون إلى ترجيح قول عبد الله بن سلام، فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال أكثر الأحاديث على ذلك، وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب.
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناسًا من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة، ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، ورجحه كثير من الأئمة كأحمد وإسحاق، ومن المالكية الطرطوشي.
وكان ابن الزملكاني شيخ الشافعية في وقته يختاره ويحكيه عن نص الشافعي ميلًا إلى أن هذه رحمة من الله تعالى للقائمين بحق هذا اليوم فأوان إرسالها عند الفراغ من تمام العمل، وأجابوا عن كونه ليس في أحد "الصحيحين" بأن الترجيح بما في "الصحيحين" أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ كحديث أبي موسى هذا، فإنه أعل بالانقطاع والاضطراب أما الانقطاع؛ فلأنّ مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه كما قاله أحمد عن مخرمة نفسه. وكذا قال سعيد بن أبي مريم وزاد "إنما هي كتب كانت عندنا". ولا يقال مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة وهو كذلك هنا؛ لأنا نقول وجود التصريح من مَخْرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع.
وأما الاضطراب فقد رواه أبو إسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله وهؤلاء كوفيون وأبو بردة كوفي فهم أعلم بحديثه من بكير المدني وهم عدد وهو واحد، وأيضًا فلو كان عند أبي بردة مرفوعًا لم يفت فيه برأيه بخلاف المرفوع كما يأتي عنه في القول الثاني والعشرين وفي الثالث والثلاثين؛ ولهذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب الهدى مسلكًا آخر فاختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون -صلى الله عليه وسلم- دل على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت، أو هذا كقول ابن عبد البر الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين. وسبق إلى نحو ذلك الإمام أحمد وهو أولى