الوقت الذي كان فيه الأمر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسليك جاء أمره به إنما كان قبل النهي، وكان الحكم منه في ذلك بخلاف الحكم في الوقت الذي جعل مثل ذلك لغوًا.

وقد قال ابن العربي: الصلاة حين ذلك حرام من ثلاثة أوجه:

الأول: قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} فكيف بترك الفرض الذي شرع الإِمام فيه إذا دخل عليه فيه ويشتغل بغير فرض. وقد مرَّ جوابهم عن هذا.

الثاني: صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت"، فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأصلان المفروضان الركنان في الإِسلام يحرمان في حال الخطبة، فالنفل أولى أن يحرم.

الثالث: لو دخل والإمام في الصلاة لم يركع والخطبة صلاة إذ يحرم فيها ما يحرم في الصلاة من الكلام والعمل. وأما حديث سليك فلا يعترض به على هذه الأصول من أربعة أوجه:

الأول: هو خبر آحاد.

الثاني: يحتمل أنه كان في وقت كان الكلام فيه مباحًا في الصلاة؛ لأنا لا نعلم تاريخه، فكان مباحًا في الخطبة فلما حرم في الخطبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو آكد فرضية من الاستماع، فأولى أن يحرم ما ليس بفرض.

الثالث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كلّم سليكاً وقال له: "قم فصل"، فلما كلّمه وأمره يسقط عنه فرض الاستماع إلى آخر ما مرّ.

الرابع: أن سليكًا كان ذا بذاذة إلخ.

وأجابوا عمّا قيل من أن الكلام كان مباحًا في الصلاة بأن سليكًا متأخر الإِسلام جدًا، وتحريم الكلام متقدم جدًا، فكيف يدعى نسخ المتأخر بالمتقدم مع أن النسخ لا يثبت بالاحتمال؟ هكذا قال في "الفتح". وقد مرَّ قول ابن العربي: إن التاريخ غير معلوم. وقول صاحب "الفتح": إن تحريم الكلام متقدم جدًا غير مُسَلّم لما يأتي عنه في أبواب العمل في الصلاة هل كان التحريم (بمكة) أو (المدينة)؟ والذي يظهر أنه المعتمد كونه (بالمدينة)، وما قاله من تأخير إسلام سليك جدًا لم يذكر هو في "الإصابة" ولا ابن عبد البر في "الاستيعاب" وقت إسلام سليك حتى يكون متقدمًا أو متأخرًا فبان سقوط ما اعترض به، وتعقبوا ما مرّ من كون الداخل والإمام في الصلاة تسقط عنه التحية والخطبة صلاة إلخ بأن الخطبة ليست صلاة من كل وجه، والفرق بينها ظاهر من وجوه كثيرة، والداخل في حال الخطبة مأمور بشغل البقعة بالصلاة قبل الجلوس بخلاف الداخل في حال الصلاة، فإن إتيانه بالصلاة التي أقيمت يحصل المقصود هذا مع تفريق الشارع بينهما.

فقال: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوية، وفي بعض طرقه فلا صلاة إلا التي أقيمت،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015