ثبتت هذه الترجمة للأكثر، ومنهم مَنْ قدمها على البسملة وسقطت الكريمة وأبي ذرٍّ عن الحموي، وقد تقدم في أول كتاب "الإيمان" توجيه تقديم البسملة على الترجمة وتقديم الترجمة عليها. والجمُعة بضم الميم على المشهور وقد تسكن، وقرأ بها الأعمش، وحكى الواحدي عن الفراء فتحها، وحكى الزجاج الكسر أيضًا. والمراد بيان أحكام صلاة الجمعة، ثم الذي بسكون الميم بمعنى المفعول أي: اليوم المجموع فيه، وبفتحها بمعنى الفاعل أي: اليوم الجامع للناس، والذي بالسكون يجمع على جمع، وبالضم يجمع على جمعات. واختلف في تسمية اليوم بذلك مع الاتفاق على أنه كان يسمى في الجاهلية "العَرُوبة" بفتح العين المهملة وضم الراء وبالموحدة، فقيل سمي بذلك؛ لأن كمال الخلائق جمع فيه ذكره أبو حنيفة البخاري في "المبتدأ" عن ابن عباس بإسناد ضعيف.
وقيل: لأن خلق آدم جمع أخرجه أحمد وابن خزيمة وغيرهما عن سلمان، وله شاهد عن أبي هريرة ذكره ابن أبي حاتم موقوفًا بإسناد قوي وأحمد مرفوعًا بإسناد ضعيف، وهذا أصح الأقوال ويليه ما أخرجه عبد بن حميد عن ابن سيرين بسند صحيح في قصة تجميع الأنصار مع أسعد بن زرارة وكانوا يسمّون يوم الجمعة يوم "العروبة" فصلّى بهم وذكرهم فسمّوه الجمعة حين اجتمعوا إليه ذكره ابن أبي حاتم موقوفًا. وقيل: لأن كعب بن لؤي كان يجمع قومه فيه فيذكرهم ويأمرهم بتعظيم الحرم ويخبرهم بأنه سيبعث منه نبي، ذكره الزبير في كتاب "النسب" عن أبي سلمة بن عبد الرحمن مقطوعًا، وبه جزم الفراء وغيره. وقيل: إن قُصيًا هو الذي كان يجمعهم، ذكره ثعلب في "أماليه".
وقيل: سُمي بذلك؛ لاجتماع الناس للصلاة فيه، وبهذا جزم ابن حزم فقال: اسم إسلامي لم يكن في الجاهلية وإنما كان يُسمى "العَروبة"، وفيه نظر فقد قال أهل اللغة إن "العَروبة" اسم قديم كان للجاهلية، وقالوا في الجمعة هو يوم "العَروبة" فالظاهر أنهم غيروا أسماء الأيام السبعة بعد أن كانت تسمى: أول، أهون، جبار، دبار، مؤنس، عروبة، شبار، فأول يوم الأحد وهكذا.
وقال الجوهري: كانت العرب تسمي يوم الاثنين أهون في أسمائهم القديمة، وهذا يشعر بأنهم أحدثوا لها أسماء وهي هذه المتعارفة الآن كالسبت والأحد إلى آخرها. وقيل: إن أول مَنْ سمى الجمعة "العروبة" كعب بن لؤي، وبه جزم الفراء وغيره فيحتاج من قال إنهم غيروها إلى الجمعة فأبقوه على تسميته العَروبة إلى نقل خاص، وذكروا أن ليوم الجمعة اثنين وثلاثين خصوصية