حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قُلْتُ لِعَمْرَةَ أَوَ مُنِعْنَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ.
قوله: "كما مُنعت نساء بني إسرائيل" يحتمل أن تكون شريعتهم المنع، ويحتمل أن تكون منعن بعد الإباحة، ويحتمل غير ذلك مما لا طريق لنا إلى معرفته إلا بالخبر.
وقوله: "قلت لعمرة" القائل هو يحيى بن سعيد. وقوله: "أو منعن" بهمزة الاستفهام وواو العطف والفعل المجهول والضمير الذي فيه يعود على نساء بني إسرائيل، والذي يظهر أن عمرة تلقت ذلك عن عائشة، ويحتمل أن يكون ذلك عن غيرها. وقد ثبت ذلك عن عروة على عائشة موقوفًا أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح ولفظه: "قال: كنّ نساءَ بني إسرائيلَ يتخذنَ أرجلًا مِنْ خشبٍ يتشرفن للرجالِ في المساجدِ فَحرَّمَ اللهُ عليهن المساجدَ، وسُلطتْ عليهنَّ الحيضةُ". وهذا وإن كان موقوفًا حكمه حكم الرفع؛ لأنه لا يقال بالرأي، وروى عبد الرزاق أيضًا نحوه بإسناد صحيح عن ابن مسعود. وقد مرت الزيادة على هذا في أول كتاب "الحيض"، وأحاديث الباب المذكورة دالة على جواز الخروج إلى المساجد لعموم النساء لكن الفقهاء خصوه بشروط منها: أن لا تطيّبَ، وهو في بعض الروايات "وليخرجنَ تَفِلات" وهو بفتح المثناة وكسر الفاء أي: غير متطيبات، ويقال امرأة تَفِلة إذا كانت متغيرة الريح وهو عند أبي داود وابن خزيمة عن أبي هريرة، وعند ابن حِبّان عن زيد بن خالد وأوله: "لا تمنعو إِمَاءَ اللهِ مساجد اللهِ". ولمسلم عن زينب امرأة ابن مسعود "إذا شهدتْ إحداكُنَّ المسجدَ فلا تمسنَّ طيبًا". ويلحق بالطيب ما في معناه؛ لأن سبب المنع منه ما فيه من تحويك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة، وكذا الاختلاط بالرجال.
وفرق كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها وفيه نظر إلا إن أخذ الخوف عليها من جهتها؛ لأنها إذا عريت مما ذكر وكانت مستترة حصل الأمن ولاسيما إذا كان ذلك بالليل. وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث وغيره ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد وذلك فيما أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة عن ابن عمر بلفظ: "لا تمنعوا نساءَكُم