الشرع قولهم وجعله كفرًا، فإن اعتقد قائل ذلك أن للنوء صنعًا في ذلك فكفره كفر تشريك، وإن اعتقد أن ذلك من قبيل التجربة فليس بشرك لكن يجوز إطلاق الكفر عليه وإرادة كفر النعمة؛ لأنه لم يقع في شيء من طرق الحديث بين الكفر والشرك واسطة، فيحمل الكفر فيه على المعنيين لتناول الأمرين ولا يرد الساكت؛ لأن المعتقد قد يشكر بقلبه أو يكفر وعلى هذا، فالقول في قوله، فأما قال لما هو أعم من النطق والاعتقاد كما أن الكفر فيه لما هو أعم من كفر الشرك وكفر النعمة وإنما كان النطق بهذا للمعتقد أن الله تعالى هو الخالق منهيًا عنه؛ لأن فيه مخالفة الشرع في تشبهه بأهل الكفر في قولهم وذلك لا يجوز, لأنا أُمرنا بمخالفتهم فقال: "خالفوا المشركينَ وخالفوا اليهودَ" ونهينا عن التشبه بهم وذلك يقتضي الأمر بمخالفتهم في الأفعال والأقوال، فلو قال نظير هذا الممنوع منه يريد الإِخبار عما أجرى الله به سنته جاز كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا نشأتَ بحربةٍ ثم تشاء متَ فتلك عينٌ غديقةٌ". وقال صاحب "المطالع": أجاز العلماء أن يقال: (مطرنا في نوء كذا)، ولا يقال: (بنوء كذا) ويحكى عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يقول: "مطرنا بنوء الله تعالى" وفي رواية مطرنا بنوء الفتح ثم يتلو {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} وفي الإِنواء الكسر لأبي حنيفة الذي عندي في الحديث أن المطر كان من أجل أن الكوكب ناء وأنه هو الذي هاجه. وأما مَنْ زعم أن الغيث يحصل عند سقوط الثريا فهذا وما أشبهه إنما هو إعلام للأوقات والفصول، وليس من وقت ولا زمن إلا وهو معروف بنوع من مرافق العباد يكون فيه دون غيره. وفي حديث أبي سعيد عند النَّسائيّ "مطرنا بنوءِ المِجْدَح" بكسر الميم وسكون الجيم وفتح الدال بعدها مهملة. ويقال بضم أوله وهو الدَّبران بحركات قيل سمي بذلك لاستدباره الثريا، وهو نجم أحمر منير صغير. قال ابن قتيبة: كل النجوم المذكورة له نوء غير أن بعضها أحمد وأغزر من بعض. ونوء الدبران غير محمود عندهم وكان ذلك ورد في الحديث تنبيهًا على مبالغتهم في نسبة المطر إلى النوء، ولو لم يكن محمودًا أو اتفق وقوع ذلك المطر في ذلك الوقت إن كانت القصة واحدة. وفي "مغازي الواقدي" أن الذي قال في ذلك الوقت مطرنا بنوء الشعرى هو عبد الله ابن أبي سلول أخرجه عن أبي قتادة.
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم طرح الإِمام المسألة على أصحابه وإن كانت لا تدرك إلا بدقة النظر، ويستنبط منه أن للولي المتمكن من النظر في الإشارة أن يأخذ منها عبارات ينسبها إلى الله تعالى، وكأنه أخذ هذا من استنطاق النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه عمّا قال ربهم وحمل الاستفهام فيه على حقيقته، لكنهم -رضي الله تعالى عنهم- فهموا خلاف ذلك؛ ولهذا لم يجيبوا إلا بتفويض الأمر إِلى الله ورسوله.
قد مرّوا، مرّ عبد الله بن مسلمة في الثاني عشر من الإِيمان, ومرّ مالك في الثاني من بدء الوحي، ومرّ صالح بن كيسان في السابع منه، ومرّ عبيد الله في السادس منه، ومرّ زيد بن خالد في