مبلغ جهير الصوت يسمع من بعد وسقط للأصيلي قوله: "وقال ابن عباس" إلخ. قلت: قد مرّ قريبًا أن من المرفوع كان على ما قيل من الرفع في كان وكذا الصحابي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذه المسألة سبعة أقوال: الرفع مطلقًا، الوقف مطلقًا، التفصيل بين ما قيد بالعصر النبوي وما لم يقيد به. الرابع: إن كان الفعل مما لا يخفى غالبًا فمرفوع وإلا فموقوف. الخامس: إن ذكره في معرض الاحتجاج فمرفوع وإلا فموقوف. السادس: إن كان قائله مجتهدًا فموقوف وإلا فمرفوع. السابع: إن قال كنا نرى فموقوف أو كنا نفعل ونحوه فمرفوع؛ لأن نرى من الرأي فيحتمل أن يكون مستنده استنباطًا لا توقيفًا، ثم محل الخلاف إذا لم يكن في القصة اطلاعه -صلى الله عليه وسلم- على ذلك وإلا فحكمة الرفع قطعًا كقول ابن عمر: "كنّا نقولُ -ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيٌّ- أفضلُ هذه الأُمةِ بعد نبيَّها أبو بكرٍ وعمر وعثمانُ، ويسمعُ ذلكَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فلا ينكرُهُ" رواه الطبراني في "معجمه الكبير". وبالجملة ما قيد من ذلك بالعصر النبوي حكمه الرفع إما قطعًا أو على الأصح ونظم العراقي أصل المسألة فقال:
وقولهُ كنّا نرى إنْ كان معْ ... عصر النَّبيِّ مِنْ قبيل ما رفعْ
وقيلَ لا أو لا فلا كذاكَ لهْ ... وللخَطيب قلتُ لكن جعلَهْ
مرفوعًا الحاكمُ والرازيُّ ... ابنُ الخَطيبِ وهُو القويُّ
لكنْ حديثُ كان بابُ المصطفى ... يقرعُ بالأظفارِ مما وقفا
حكمًا لدى الحاكمِ والخطيبِ ... والرفعُ عندَ الشيخِ ذو تصويبِ
قد مرّوا إلاَّ أبا معبد، مرّ إسحاق بن نصر في تعليق بعد الحادي والعشرين من العلم، ومرّ عمرو بن دينار في الرابع والخمسين منه، ومرّ عبد الرزاق في الخامس والثلاثين من الإِيمان, ومرّ ابن جريج في الثالث من الحيض، ومرَّ ابن عباس في الخامس من بدء الوحي. وأما أبو معبد فهو مولى ابن عباس واسم نافذ بالنون وبكسر الفاء في آخره ذال معجمة ذكره ابن حِبّان في "الثقات". وقال أحمد وابن معين وأبو زرعة: سعد كان ثقة حسن الحديث روى عن مولاه وعنه عمرو بن دينار وأبو الزبير وسليمان الأحول وغيرهم. مات بالمدينة سنة أربع ومئة.
فيه التحديث بالجمع والإِخبار بالجمع والإِفراد والقول، وشيخ البخاري من أفراده ورواته ما بين بخاريّ ويمانيّ ومكيّ ومدنيّ، وفيه رواية تابعي عن تابعي أخرجه مسلم في الصلاة وأبو داود.