مأمور بالقراءة بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} والأمر لا يقتضي التكرار فتتعين الركعة الأولى منها، وإنّما أوجبوها في الثانية لأنهما تتشاكلان من كل وجه. فالفاتحة لا فرضية لها عندهم في الصلاة مطلقًا لقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} فتجب الصلاة بأي قراءة كانت. قالوا: الزيادة على النص تكون نسخًا لاطلاقه وذلك غير جائز، ولا يجوز أن يجعل الحديث بيانًا للآية لأنه لا إجمال فيها؛ لأن المجمل هو ما يتعذر العمل به قبل البيان، والآية ليست كذلك. وتعيين الفاتحة إنّما ثبت بالحديث فيكون واجبًا يأثم تاركه، وتجزىء الصلاة بدونه، والفرض آية قصيرة عند أبي حنيفة (كمدْهامّتان). وقال صاحباه: آية طويلة أو ثلاث آيات ووجوب القراءة عندهم في غير المسلم، وأما المؤتم عندهم فلا يجب أن يقرأ شيئًا لا من الفاتحة ولا من القرآن، وهذا هو ما مرَّ عن المالكية وبه قال الأوزاعي وابن المسيب وجماعة من التابعين وفقهاء الحجاز.

قال في الفتح: في قولهم إن الفاتحة واجبة يأثم تاركها، لا ينقضي عجبي ممّن يتعمّد ترك قراءة الفاتحة منهم وترك الطمأنينة فيصلّي صلاة يريد أن يتقرّب إلى الله تعالى بها، وهو يتعمد ارتكاب الإثم فيها مبالغة في تحقق مخالفته لمذهب غيره.

وقد قال جماعة: منهم الأحمر، وابن علية، والحسن بن صالح، والأصم أن القراءة في الصلاة مستحبة لا غير. وروى الشافعي عن مالك بإسناده أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه صلّى المغرب فلم يقرأ فيها شيئًا. فقيل له، فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ قلنا: حسن. قال: لا بأس. وهذا فيه انقطاع. ولابن الأثير في شرح مسند الشافعي عن الشعبي صلّى عمر فلم يقرأ شيئًا فأعاد، ورواه أبو معاوية عن الأعمش مثله.

وروى الشافعي عن علي رضي الله تعالى عنه قال له رجل: إني صلّيت فلم اقرأ قال: أتممت الركوع والسجود قال: نعم، قال: تمّت صلاتك. وروى ابن المنذر عن علي أنه قرأ في الأوليين وسبّح في الأخريين. وفي المصنّف عن أبي إسحاق عن عليّ وعبد الله بن مسعود أنّهما قالا: أقرأ في الأوليين وسبّح في الأخريين.

وعن منصور قلت لإبراهيم: ما نفعل في الركعتين الأخريين من الصلاة قال: سبّح وأحمد الله وكبّر، وعن الأسود والثوري كذلك، وعن مالك رواية شاذّة أن الصلاة صحيحة بدون القراءة.

وروى البيهقي عن زيد بن ثابت القراءة في الصلاة سُنّة، وعن الشافعي في القديم إن تركها ناسيًا صحّت صلاته. وقد اختلف العلماء في تأويل قوله لا صلاة .. الخ. فقيل أنّها لنفي الجنس والصحة وبهذا قال مَنْ جعلها ركنًا في الصلاة. وقيل إنها لنفي الكمال، وبهذا قال من لم يجعلها ركنًا في الصلاة.

قال المازري: اختلف الأصوليون في معنى هذا اللفظ يعني: قوله لا صلاة .. الخ، فقيل: إنه مجمل لأنه حقيقة في نفي الذات، والذات واقعة، والواقع لا يرتفع فينصرف لنفي الحكم وهو متردد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015