أقول بسم الله الرحمن الرحيم فقال: أيْ بنيَّ محدَث إياك والحدث. قال: ولم أر أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أبغض إليه الحدث في الإِسلام منه. قال: وقد صلّيت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع أحدًا منهم يقولها، فلا تقلْها، فإذا أنت صلّيت فقل الحمد لله رب العالمين.

قال الترمذي حديث حسن، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، ومَن بعدهم من التابعين. وأخرجه النَّسائي وابنُ ماجَهْ أيضًا. قلت في نفي الصحابة للبسملة في الصلاة: وقوله فقل الحمد لله رب العالمين دلالة واضحة على ما ذكرناه من كون حديث البخاري دالاً على نفي البسملة في الصلاة رأسًا لا على نفي الجهر بها لأن قول الصحابي قل: الحمد لله رب العالمين مع نفيه للبسملة صريح في ذلك.

وما روى عن أبي خزيمة وابن عبد البر والخطيب من تضعيف هذا الحديث بأن مداره على ابن عبد الله بن مغفَّل وهو مجهول، مردود بأنه رواه أبو نَعامة في مسند أحمد عن ابن عبد الله بن مغفَّل، ورواه الطبراني في معجمه عن عبد الله بن بُريدة عن ابن عبد الله بن مغفَّل. وأخرجه أيضًا عن أبي سفيان طريف بن شهاب عن يزيد بن عبد الله بن مغفَّل، فهؤلاء ثلاثة رووا الحديث عن ابن عبد الله بن مغفَّل وسمّاه الأخير منهم، ورواية اثنين عن راو تزيل عنه الجهالة فضلًا عن ثلاثة. وأيضًا عبد الله بن مغفَّل له ثلاثة من البنين يزيد وزياد ومحمّد وكلّهم مروي عنه الحديث مشهور بالرواية لم يرو أحد منهم حديثًا منكرًا ليس له شاهد ولا متابع حتى يجرح بسببه، وإنما رووا ما رواه غيرهم من الثقات، فبان أن هذا التضعيف مردود.

واحتجوا أيضًا باستمرار عمل أهل المدينة في محراب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومقاصد على تركها، كما دلّ عليه حديث أنس المتقدم وحديث عبد الله بن مغفَّل.

ولا يظن عاقل أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأكابر التابعين وأكثر أهل العلم كانوا يواظبون على خلاف ما كان -صلى الله عليه وسلم- يفعله إلى غير هذا من الأدلة. وقالت الشافعية إن حديث البخاري المراد به الافتتاح بالفاتحة فلا تعرض فيه لكون البسملة منها أولًا. وقد مرَّ ما فيه. وقالوا إن حديث مسلم المار لم يكونوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم محمول على نفي سماعها فيحتمل إسرارهم بها وقد مرَّ ما فيه أيضًا.

قالوا: ويؤيده رواية النسائي وابن حِبّان فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، فنفي القراءة محمول على نفي السماع، ونفي السماع على نفي الجهر.

ويؤيده رواية ابن خزيمة كانوا يسرّون ببسم الله الرحمن الرحيم. قالوا: وقد قامت الأدلة والبراهين للشافعي على إثباتها، ومن ذلك حديث أم سَلَمة المروي في البيهقي وصحيح ابن خزيمة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة وعدّها آية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015