حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضى الله عنهما كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قوله: كانوا يفتتحون الصلاة أي: القراءة في الصلاة، وكذا رواه ابن المنذر والجوزقي وغيرهما من طريق حفص بن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ: كانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين. وكذلك رواه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام وقوله بالحمد لله رب العالمين أي: بضم الدال على الحكاية، واختلف في المراد بذلك فقيل المعنى كانوا يفتتحون بالفاتحة وهذا قول من أثبت البسملة في أولها وتعقب بأنها تسمى الحمد فقط.
وأجيب بمنع الحصر ومستنده ثبوت تسميتها بهذه الجملة فيما أخرجه البخاري في فضائل القرآن عن أبي سعيد بن المعلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: الا أعلمك أعظم سورة في القرآن. فذكر الحديث، وفيه قال الحمد لله رب العالمين: هي السبع المثاني، وقيل المعنى كانوا يفتتحون بهذا اللفظ تمسكًا بظاهر الحديث، وهذا هو الأقوى إذ لا يعدل عن حقيقة اللفظ وظاهره إلى مجازه إلا بدليل. وهذا قول من نفى قراءة البسملة.
ولأجل اختلاف الأحاديث الواردة فيها اختلفت العلماء في قراءتها في أول الفاتحة. فذهب مالك وأصحابه إلى أنها ليست من الفاتحة، وتكره قراءتها في الفرض سرًا وجهرًا، وفي النافلة إن شاء قرأها وإن شاء ترك، والأفضل قراءتها.
وبقوله قال الأوزاعي والطبري. وقال الشافعي هي آية من الفاتحة يخفيها إذا أخفى ويجهر بها إذا جهر واختلف قوله هل هي آية من كل سورة؟ على قولين: أحدهما نعم، وهو قول ابن المبارك. والثاني لا، وقال أبو حنيفة وأحمد والثوري وابن أبي ليلى: يقرأ بها وجوباً سرًا مع أم القرآن في كل ركعة، إلا ابن أبي ليلى فإنه قال: ان شاء جهر بها وإن شاء أخفاها.
وعند أحمد قراءتها سنة واجبة. واحتج كل فريق بأحاديث ظاهرة في مذهبه. فاحتجت المالكية بحديث البخاري هذا فإن قوله كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، نصّ في أنهم ما كانوا يبسملون أصلًا وقول المخالف لا يلزم من قوله كانوا يفتتحون بالحمد أنهم لم يقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم سرًا بعيد جدًا، إذ يبعد جدًا أنّ أنسًا صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- مدة عشر سنين ثم يصحب أبا بكر وعمر وعثمان خمسًا وعشرين سنة، فلم يسمع الجهر منهم بها في صلاة واحدة.