صحة صلاة المنفرد خلف الصف قائلًا: لما ثبت ذلك للمرأة، كان للرجل أولى، لكن للمخالف أن يقول إنما ساغ لامتناع أن تصفّ مع الرجال بخلاف الرجل، فإن له أن يصف معهم وأن يزاحمهم، وأن يجذب رجلًا من حاشية الصف فيقوم معه، فافترقا، قاله في "الفتح".
وقال ابن خُزَيْمَة: لا يصح الاستدلال به, لأن صلاة المرء خلف الصف وحده منهيّ عنها باتفاق، ممن يقول تجزئه أو لا تجزئه، وصلاة المرأة وحدها إذا لم تكن هناك امرأة أخرى مأمور بها باتفاق، فكيف يقاس مأمور على منهيّ، والظاهر أن الذي استدل به نظر إلى مطلق الجواز، حملًا للنهي على التنزيه والأمر على الاستحباب، وجواز صلاة المنفرد خلف الصف , هو قول مالك وأبي حَنِيفة والشافعيّ، واستدلوا بحديث أبي بكرة الآتي في باب "إذا ركع دون الصف" ففيه "أنه ركع قبل أن يصل إلى الصف"وفي ذلك إتيان بجزء من الصلاة خلف الصف, ولم يؤمر بالإعادة، لكن نهى عن العود إلى ذلك، فكأنه أرشد إلى ما هو الأفضل. وروى البَيْهَقيّ عن المُغِيرة عن إبراهيم، فيمن صَلّى خلف الصف وحده، فقال: صلاته تامة، وليس له تضعيف.
وذهب إلى تحريمه أحمد وإسحاق وبعض محدِّثي الشافعية، كابن خُزَيْمَة، قائلين بإعادة الصلاة، واستدلوا بحديث أبي هُرَيرة، رواه الطَّبَرانيّ في الأوسط "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا يصلّي خلف الصف وحده، فقال: أعد الصلاة" وبحديث وابِصَة بن مَعْبد، أخرجه أصحاب السنن، وصححه أحمد وابن خُزَيْمَةَ وغيرهما، "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد الصلاة" وبحديث عليّ بن شَيبان المتقدم، وأجيب عن الأوَّلَين بأن الأمر فيهما للاستحباب، وبأن حديث واِبصَةَ قد قال أبو عمر إن فيه اضطرابًا، وقال الشافعيّ: في سنده اختلاف، وعن حديث شَيْبان بما مرَّ قريبًا.
وجمع أحمد وغيره بين الأحاديث بوجه آخر، وهو أن حديث أبي بَكْرة مخصص لعموم حديث وابصة وما معه، فمن ابتدأ الصلاة منفردًا خلف الصف، ثم دخل في الصف قبل القيام من الركوع، لم تجب الإِعادة عليه، كما في حديث أبي بَكْرة، وإلا فتجب على عموم حديث وَابِصَة وغيره. وقول صاحب الفتح فيما مر "أو يجذب رجلًا من حاشية الصف" لعله مذهبه، وأما عندنا معاشر المالكية فجذبه لأحد مكروه، وإطاعة الجاذب له مكروهة أيضًا، ومحل جواز الانفراد خلف الصف إذا لم يجد فرجة في الصف وإلا كره الانفراد، وعند عدم الوجدان يحصل له فضل الجماعة وفضيلة الصف، وإلا حصل له فضل الجماعة دون الصف، وهذا الحديث قد مرَّ في باب الصلاة على الحصير، ومرجل مباحثه هناك.
وفيه ذكر اليتيم، وأم سلِيم، وقد مرَّ الجميع، مرَّ عبد الله بن محمد المسْنَدِيّ في الثاني من الإيمان, ومرَّ أنَس في السادس منه، ومرَّ سُفْيان بن عُيَيْنَة في الأول من بَدء الوحي، ومرَّ إسحاق بن